وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ).
رواه البخاري (5397) ومسلم (2219).
قال ابن حجر – رحمه الله -:
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز رُجُوع مَنْ أَرَادَ دُخُول بَلْدَة فَعَلِمَ أَنَّ بِهَا الطَّاعُون، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الطِّيَرَة، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَنْع الْإِلْقَاء إِلَى التَّهْلُكَة، أَوْ سَدّ الذَّرِيعَة ... وَفِي الْحَدِيث أَيْضاً: مَنْع مَنْ وَقَعَ الطَّاعُون بِبَلَدٍ هُوَ فِيهَا مِنْ الْخُرُوج مِنْهَا." فتح الباري " (10/ 186، 187).
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمَّة في نهجه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها , ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه: كمال التحرز منه؛ فإن في الدخول في الأرض التي هو بها تعرضاً للبلاء , وموافاة له في محل سلطانه , وإعانة للإنسان على نفسه , وهذا مخالف للشرع، والعقل، بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها، وهي حمية عن الأمكنة، والأهوية المؤذية.
وأما نهيه عن الخروج من بلده ففيه معنيان:
أحدهما: حمْل النفوس على الثقة بالله، والتوكل عليه، والصبر على أقضيته، والرضى بها.
والثاني: ما قاله أئمّة الطب: أنه يجب على كل محترز من الوباء أن يُخرج عن بدنه الرطوبات الفضلية , ويقلل الغذاء , ويميل إلى التدبير المجفف من كل وجه إلا الرياضة والحمام؛ فإنهما مما يجب أن يحذرا؛ لأن البدن لا يخلو غالباً من فضل رديء كامن فيه، فتثيره الرياضة، والحمام، ويخلطانه بالكيموس الجيد , وذلك يجلب علة عظيمة، بل يجب عند وقوع الطاعون السكون، والدعة، وتسكين هيجان الأخلاط , ولا يمكن الخروج من أرض الوباء والسفر منها إلا بحركة شديدة , وهي مضرة جدّاً، هذا كلام أفضل الأطباء المتأخرين، فظهر المعنى الطبي من الحديث النبوي، وما فيه من علاج القلب، والبدن، وصلاحهما ... .
ثم قال:
وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها عدة حكَم:
أحدها: تجنب الأسباب المؤذية، والبعد منها.
الثاني: الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش، والمعاد.
الثالث: أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن، وفسد، فيمرضون.
الرابع: أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم ... .
الخامس: حمية النفوس عن الطيرة، والعدوى؛ فإنها تتأثر بهما؛ فإن الطيرة على من تطير بها.
وبالجملة: ففي النهي عن الدخول في أرضه الأمر بالحذر، والحمية , والنهي عن التعرض لأسباب التلف , وفي النهي عن الفرار منه: الأمر بالتوكل، والتسليم، والتفويض، فالأول: تأديب، وتعليم، والثاني: تفويض، وتسليم." زاد المعاد " (4/ 42 – 44) بتصرف.
والله سبحانه نسأله أن يحفظنا وإياكم وكل مسلم من هذا المرض.والله أعلم