ونلحظ ذلك في المظاهر الخادعة التي تصاحب الدجال، ومن ذلك: أن معه جنة وناراً، وأنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت (10)، ـ لكن كل هذا ـ بإذن الله تعالى ـ، ولو تمعن المتمعن لما انخدع. قال ابن العربي (11) ـ رحمه الله ـ: "في اختلاف صفات الدجال بما ذكر من النقص بيان أنه لا يدفع النقص عن نفسه كيف كان، وأنه محكوم عليه في نفسه"، إذن لا يستطيع أن يدفع الضرر عن نفسه، فكيف يدفعه عن غيره؟!
5 ـ ضرورة الابتعاد عن مواضع الشبهات والفتن، وألا يعتقد المرء أنه على قدرة في مواجهة الشبهات والفتن، وخصوصاً مع قلة العلم والدين:
عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع بالدجال فَلْينأَ عنه؛ فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات" (12) (13).
6 ـ لا يكفي تحذير الناس من الفتن؛ بل الواجب توضيح السبل للخلاص منها:
وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من السبل للخلاص من الدجال؛ ومنها:
أ ـ قراءة فواتح سورة الكهف: قال صلى الله عليه وسلم: " ... فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف" (14).
ب ـ قال صلى الله عليه وسلم: "لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان: أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه؛ فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين عليه ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: (كافر) يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب" (15).
ج ـ التعوذ منه: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: "وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال" (16).
7 ـ الفتنة ليست شراً محضاً:
نقل الإمام النووي ـ رحمه الله ـ عن العلماء أنهم قالوا: "هذا من جملة فتنته التي امتحن الله ـ تعالى ـ به عباده ليحق الحق ويبطل الباطل، ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه" (17).
8 ـ الحق لا بد أن ينتصر وتُنهى الفتن ويظهر الحق:
وهذه أعظم فتنة تمر على البشرية ثم تنتهي، وينزل عيسى عليه السلام ليهلك الدجال، كما ثبت في صحيح مسلم: " ... يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين ... فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه .. " (18).
9 ـ أهمية العلم الشرعي في مواجهة الفتن:
فالمؤمن الذي يكشف زيف الدجال وكذبه مسلم متمسك بالعلم الشرعي المبني على الدليل الشرعي؛ لذا تجده يخاطب الدجال بلهجة الواثق كما في صحيح البخاري: " ... فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه ... " (19).
فهو نَسَبَ عِلْمَهُ بالدجال لعلمه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعظم العلم الشرعي.
10 ـ ويتبع القاعدة الماضية سؤال أهل العلم عما أشكل وخصوصاً وقت الفتن:
ومن ذلك ما تكرر من أسئلة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ عن هذه الفتنة.
فقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم (20): " ... قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال "لا. اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض ... " الحديث.
ومن هذا الحديث أيضاً نرى حرص الصحابة على الصلاة وإقامتها في وقتها.
11 ـ الكثرة ليست دائماً دليلاً على الحق:
والدجال باعتباره فتنةً عظيمة سيتبعه أناس كثيرون؛ فهل نقول إنه على الحق؟
لا، بالطبع؛ فعلى المسلم أن يلزم الحق ولو كان وحده وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة" (21).
قال ابن حجر في الفتح: وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية أحد ثقات التابعين في الحلية بسند حسن صحيح إليه قال: "لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل وسبعة آلاف امرأة". (22) وهذا لا يقال من قِبَلِ الرأي؛ فيحتمل أن يكون مرفوعاً أرسله، ويحتمل أن يكون من بعض أهل الكتاب.
فوائد وقواعد في الدعوة:
1 ـ التأكيد على أمور العقيدة من أهم المهمات:
وهذا يتضح من أحاديث الدجال في التركيز على عدة مهمات عقدية منها:
أ ـ غرس توحيد الأسماء والصفات:
¥