تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} ذلك لأن كلاً منهما يستحوذ على الفكر، ويمنعه من التفكير السليم، ويسيطر على دينه ودنياه ويورث العداوة والبغضاء، وقليله يدعو إلى كثيره، ومفاسده راجحة، ونفعه مرجوح وعاقبته سيئة 0

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الفروسية (308) فقرن الميسر بالأصنام والأزلام والخمر، وأخبر أن الأربعة رجس من عمل الشيطان، ثم أمر باجتنابها، وعلق الفلاح باجتنابها، ثم نبه على وجوه المفسدة المقتضية للتحريم فيها، وهي ما يوقعه الشيطان بين أهلها من العداوة والبغضاء، ومن الصد عن ذكر الله، وعن الصلاة 0

وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إلى أن مفسدة الميسر أعظم من مفسدة الربا قال رحمه الله تعالى في الفتاوى (32/ 237)

فتبين أن (الميسر) اشتمل على مفسدتين: مفسدة في المال وهي أكله بالباطل. ومفسده في العمل، وهي ما فيه من مفسدة المال وفساد القلب والعقل وفساد ذات البين وكل من المفسدتين مستقلة بالنهي، فينهى عن أكل المال بالباطل مطلقاً ولو كان بغير ميسر كالربا، وينهى عما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء ولو كان بغير أكل مال، فإذا اجتمعا عظم التحريم: فيكون الميسر المشتمل عليهما أعظم من الربا، ولهذا حرم ذلك قبل تحريم الربا، ومعلوم أن الله تعالى لما حرم الخمر حرمها ولو كان الشارب يتداوى بها، كما ثبت في الحديث الصحيح. وحرم بيعها لأهل الكتاب وغيرهم، وإن كان أكل ثمنها لا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ولا يوقع العداوة والبغضاء؛ لأن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه، كل ذلك مبالغة في الاجتناب. فكذا الميسر منهي عن هذا وعن هذا. والمعين على الميسر كالمعين على الخمر، فإن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان. وكما أن الخمرة تحرم الإعانة عليها ببيع أو عصر أو سقي أو غير ذلك؛ فكذلك الإعانة على الميسر: كبائع آلاته، والمؤجر لها والمذبذب الذي يعين أحدهما؛ بل مجرد الحضور عند أهل الميسر كالحضور عند أهل الخمر ... ) 0

والشريعة تحارب الميسر، وتطارده في كل المجالات، ولا تبيح منه شيئاً. وفساده وقبحه يعلم بالشرع، والعقل، ولو لم يرد في تحريمه دليل من الكتاب، والسنة، والإجماع لكانت المصلحة تقتضي منعه، وزجر فاعله، فقد جاءت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها 0

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الفروسية (309) وإذا تأملت أحوال هذه المغالبات، رأيتها في ذلك كالخمر، قليلها يدعو إلى كثيرها، وكثيرها يصد عن ما يحبه الله ورسوله، ويوقع فيما يبغضه الله ورسوله، فلو لم يكن في تحريمها نص؛ لكانت أصول الشريعة، وقواعدها، وما اشتملت عليه من الحكم والمصالح وعدم الفرق بين المتماثلين، توجب تحريم ذلك، والنهي عنه 0

وحين كانت الشريعة الإسلامية مؤسسة على العدل، ومحاربة الظلم بكل أشكاله وصنوفه وألوانه، وجاءت بقواعد نورانية منها القاعدة العظيمة (لا ضرر ولا ضرار) وعلى هذا الأساس منعت كل المعاملات التي يتخللها ظلم ومنها الميسر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (28/ 385)

فمن العدل فيها ما هو ظاهر، يعرفه كل أحد بعقله كوجوب تسليم الثمن على المشتري، وتسليم المبيع على البائع للمشتري ........... ومنه ما هو خفي جاءت به الشرائع أو شريعتنا – أهل الإسلام – فإن عامة ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل، والنهي عن الظلم دقه وجله؛ مثل أكل المال بالباطل. وجنسه الربا والميسر. وأنواع الربا والميسر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم: مثل بيع الغرر، وبيع حبل الحبلة ........ 0

وإن المال هو عصب الحياة، وهو قوام الإنسانية، به يعمر الكون، وهو زينة الحياة الدنيا، به يحج ويجاهد، وهو المقرب إلى الجنة أو النار، أو النعيم أو العذاب، فطوبى لمن أخذه على وجهه المشروع، والطريق المتبوع، وويل ثم الويل لمن أخذه بالحيل المحرمة، والطرق المحظورة 0

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير