فهذه مخافة صريحة عن عائشة رضي الله عنها لحديثها فإذا جاز في حقها ذلك، فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها، لم تروه هي، وهي على كل حال مأجورة، فماذا يقول المشار إليه في هذه المخالفة؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها، أم يتمسك بالحديث ويدع قولهاً معتذراً عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب؟
وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما ((لا يتصور)) أو أنه ((مستحيل قطعاً))؛ قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة، ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، مهما كان شأن قائله فضلاً وعلماً وصلاحاً؛ لانتفاء العصمة، وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك بالكتاب والسنة، وعدم الاعتداد بما سواهما،
[194]
كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها، وبكل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها، وجوابه
6 - هذا، ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث؛ بعذر أنه لا يعلم أحداً من السلف قال بها، فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكون مقبولاً في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب، لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ، ولا سيما إذا كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أموراً لم يقل بها أحد من المسلمين؛ بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها، دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولاً، مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه بـ (الربا الاستهلاكي) واليانصيب الخيري –زعموا- ونحوهما! أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل، فإن فيها نصوصاً صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها- كما سبق بيانه- فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور، ولا سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل
[196]
أبي هريرة رضي الله عنه، وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم، ولا بدأن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم؛ لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنصّ ما من كتاب أو سنة، وإنما تعهد بحفظها فقط كما قال: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?، فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم، ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه.
وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى؛ لها مساس كبير بما نحن فيه، قال: في ((إعلام الموقعين)) (3/ 464 - 465):
((وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائناً من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم، والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس، أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله تعالى: ?وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم?، وبقوله تعالى: ?فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليماً?، وبقوله تعالى: ?اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون?، وأمثالها، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا، يقول: من قال هذا؟ دفعاً في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين؛ إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة. والله المستعان)).
[197]
ـ[عبد الرحيم الجزائري]ــــــــ[08 - 04 - 06, 02:40 م]ـ
السلام عليكم روحمة الله و بركاته .....
أنا متفق مع العلامة الألباني رحمه الله في هذه المسألة ... لكن يعكر علي ما ذكره مراد شكري في كتابه (المنخلة النونية) من أن سبب الخطأ في فتوى الإمام الألباني في هذه المسألة مرجعه إلى خطأ لغوي ...
إذ أن لفظ "حبيبه" في الحديث: من فعيل بمعنى مفعول، وهو يشمل الرجل و المرأة كما قال الشيخ رحمه الله، لكن شمول فعيل للمرأة له شرط نقله أئمة اللغة كالسيوطي وابن مالك (أظن وابن عقيل)، وهو أن يسبق بالموصوف، وهذا الشرط غير موجود هنا.
إضافة إلى ذلك: فإن قوله صلى الله عليه و سلم: "عليكم بالفضة" خطاب الرجال.
و أما لفظ: "من أحب أن يحلق حبيبته ..... الحديث" فهو من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار. وفي هذا الرجل مقال.
" هذا ما ذكره بعضهم عن هذا الرجل إن لم تخني الذاكرة ... ثم إني لم أطلع على الكتاب المذكور"
قلت:
و قد أشار الشيخ رحمه الله إلى هذه الرواية، لكني لم أجد حكمه عليها ... فهل لهذا الحديث متابعات يتقوى بها أم تفرد به عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، فيكون الحديث ضعيفا؟
ثم ما صحة ما ذكره مراد شكري حول تلكم المسألة اللغوية؟ فإني رأيت بعضهم يطعن في الشيخ رحمه الله و ينسبه إلى البلادة بسبب القصور في فهم اللغة زعموا؟
وقد سمعت أن هناك مناظرة قد جرت بين الألباني و مراد شكري خول مسألة الذهب المحلق، وهي مسجلة ... فمن يعطينا زبدة ما فيها؟
¥