تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَنها في أَصل الصفا.

الثاني: ما ذكره ابن كثير في تاريخه ((البداية والنهاية)) في حوادث سنة 173هـ في ترجمة الخيزران، قال: قد اشترت الدار المشهورة فيها بمكة المعروفة بدار الخيزران فزادتها في المسجد الحرام. فان هذا وإن كان بعيدًا ومخالفًا لرواية ابن سعد المتقدمة ولم يذكره الأَزرقي وغيره فإنه مما يشكك في اشتهار الدار الموجودة اليوم باسم ((دار الأَرقم)) في زمن ابن كثير إذ لو كان الأَمر كذلك لما خفي عليه. ()

وأَما قول السائل: لما أزيل أَثر مسجد البيعة من الحديبية ((الشميسي)) وهل هناك مانع ديني يمنع من الاحتفاظ به كمأْثر شهد بيعة كان لها أَكبر الأَثر في رفع راية الإسلام.

فالجواب: أَنه أُزيل لأَنه ليس مسجد الشجرة الذي يعنيه السائل بمسجد البيعة، فإن مسجد الشجرة غير معروف هو والحديبية من مدة قرون بشهادة مؤرخي مكة والمدينة.

قال الفاسي في ((شفاءِ الغرام)) في كلامه على مسجد الشجرة وعلى المسجد الآخر الذي بناه يقطين بن موسى في الشق الأَيسر: هذان المسجدان والحديبية لا يعرفون اليوم، والله أَعلم. وقال: في موضع آخر ما نصه: هي –أي الحديبية- والاعشاش لا يعرفان اليوم. وذكر في محل آخر القول بأن موضع الحديبية هو الذي فيه البير المعروفة ببير شميسي بطريق جدة، وتعقبه بقوله: الشجرة والحديبية لا يعرفان الآن، وليست الحديبية بالموضع الذي يقال له الحديبية في طريق جدة لقرب هذا الموضع من جدة وبعده عن مكة، والحديبية دونه بكثير إلى مكة.

وقال الزين المراغي في ((تحقيق النصرة بمعالم دار الهجرة)) في كلامه على مسجد الحديبية: لا يعرف اليوم، بل يقال أن مكة ليس فيها أَحد يعرف الحديبية بعينها وإنما يعرفون الجهة لا غير.

وقال السمهودي في ((وفاءِ الوفاءِ باخبار دار المصطفى)): هو –أي مسجد الحديبية- غير معروف، بل قال: المطري لم أَر في أَرض مكة من يعرف اليوم الحديبية إلا الناحية لا غير. وإذا كان هذا مآل مسجد الشجرة والحديبية في أَعصر أُولئك فكيف باليوم.

وأَما موقف السلف من ذلك المسجد المسمى بمسجد الشجرة أيام كان هو والحديبية معروفين فهو أَنهم لا يرون رأي السائل وهو أَنه شهد بيعة الرضوان، وممن قام ببيان ذلك من السلف سعيد بن المسيب، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن طارق بن عبدالرحمن، قال انطلقت حاجًا فممرت بقوم يصلون، فقلت ما هذا المسجد، قالوا هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أَبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد لم يعلموها، وعلمتموها أنتم فأنتم أَعلم؟! وروى ابن جرير الطبري في تفسيره عن سعيد بن المسيب قال: كان جدي يقال له حزن، وكان ممن بايع تحت الشجرة، يقول: فأتيناها من قابل فعميت علينا. وكان ابن عمر يذكر أن تعمية شجرة البيعة رحمة من الله، روى البخاري في صحيحه في ((باب البيعة في الحرب على ألا يفروا)) من كتاب الجهاد عن نافع، قال قال ابن عمر رضي الله عنهما: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله.

قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)): الحكمة في اخفائها هي أَن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم الجهال لها، حتى ربما افضى بهم إلى اعتقاد أَن لها قوة نفع وضر كما نراه الآن مشاهدًا فيما دونها. قال: وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: كانت رحمة من الله. أَي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى. هذا ما صار إليه شأن شجرة البيعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ج1م 11

ثم صار في خلافة عمر بن الخطاب ما ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) ص306: وهو توهم من توهم في شجرة بالحديبية أنها هي الشجرة التي بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم تحتها ()، فكان من توهم ذلك ينتابها ويصلي عندها، فأمر عمر بن الخطاب بقطعها فقطعت. وهذا الذي ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) قال: حدثنا عبدالوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا عبدالله بن عون، عن نافع، قال كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها شجرة الرضوان فيصلون عندها، قال: فبلغ ذلك عمر ابن الخطاب فاوعدهم فيها وأَمر بها فقطعت، وصحح الحافظ في ((الفتح)) اسناد هذه الرواية، واعتمدها صاحب ((عيون الأَثر)) وعزاها السيوطي في ((الدر المنثور)) إلى مصنف ابن أبي شيبة. قال: ابن وضاح في كتاب ((البدع والنهي عنها)): سمعت عيسى بن يونس مفتي طرسوس يقول: أَمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعها، لأَن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة. قال عيسى ابن يونس وهو عندنا من حديث ابن عون عن نافع: أن الناس كانوا يأتون الشجرة فقطعها عمر. قال ابن وضاح: فعليكم بالاتباع لأَئمة الهدى المعروفين، فقد قال بعض من مضى: كم من أَمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرًا عند من مضى ومتحبب إلى الله بما يبغضه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة. اهـ. وهذا ما لزم بيانه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. (ص-ف-2023 في 29 - 10 - 1382هـ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير