تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثقة في حقيقتها: هي أمن العبد من فَوت المقدور، وانتقاض المسطور، فيظفر بِرَوْح الرضا، أو بعين اليقين، أو يلجأ إلى الصبر كما قال ذلك شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى:'وذلك: أن من تحقق بمعرفة الله، وأن ما قضاه الله، فلا مرد له البتة؛ أَمِنَ من فَوْت نصيبه الذي قسمه الله له، وأَمِنَ أيضاً من نقصان ما كتبه الله وسطره في الكتاب المسطور، فيظفر بِرَوْح الرضا، أي: براحته، ولذته، ونعيمه؛ لأن صاحب الرضا في راحة ولذة وسرور'- إلى أن يقول-:'فإن لم يقدر العبد على رَوْح الرضا؛ ظفر بعين اليقين، وهو قوة الإيمان ومباشرته للقلب، فيكون التسليم لأحكامه الشرعية وأحكامه الكونية'.

وخلاصة ذلك أن يقال: الفرق بين الثقة وبين اليقين: أن اليقين إذا وُجد في القلب؛ وُجدت الثقة فيه، فإذا تيقن العبد أن هذه الشريعة مثلاً من عند الله عز وجل؛ فإنه يطمئن إلى أحكامها، وأنه لاحيف فيها، ولا نقص ولا هضم لحق أحد، إذا علمت المرأة أن هذه الشريعة من عند الله عز وجل؛ فهي تعلم أن إعطائها نصف الميراث أنه حق، وأنه كمال العدل والإنصاف، وأنه لا ظلم فيه ولا غلط ولا شطط؛ فوُجدت الثقة، فيثق العبد بأحكام الله عز وجل الشرعية، وإذا وُجد اليقين في قلب العبد؛ وُجدت الثقة أيضاً في قلبه في أحكام الله عز وجل الكونية والقدرية، فإذا رأى مبتلى فإنه لا يقول: فلان ما يستاهل، فلان ما يستحق هذا البلاء الذي نزل به. لا يقول: لماذا أنا يا رب؟ لماذا تقع المصائب والكوارث والمحن على أهل الإيمان، والكفار ينعمون بهذه النعم التي تُغْدَق عليهم صباح ومساء؟ وإنما يثق بأن الله عز وجل حكمٌ عدلٌ، وأنه تبارك وتعالى يُعطى ويمنع لحكمة بالغة يعلمها جل جلاله، فالثقة توجد إذا وُجِدَ اليقين في القلب، ولذلك لا ثقة من غير يقين.

ثالثاً: منزلة اليقين: جاء عن بعض السلف:'الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله' [مجموع الفتاوى، ورسالة اليقين لابن أبي الدنيا]. وهذا صحيح؛ لأن الصبر فوقه درجة ومرتبة وهي اليقين، لن الإنسان قد يصبر ولكن قلبه يتحرك بالخواطر والإرادات، وتَرِدُ عليه أنواع الواردات، فهو يموج بصاحبه، إلا أن صاحبه يتحمل، ويصبر ويُثَبِّتُ نفسه مع مقاساته لألم المصيبة، وأما صاحب اليقين، فإنه في مرتبة فوق ذلك –كما سيأتي- فهو يعد البلاء نعمة أصلاً، ويفرح بالبلاء كما يفرح غيره بالعافية، ويركن إلى الله عز وجل، ويطمئن بما قسم الله عز وجل في هذا القضاء، فلا يتبرم ولا يتمنى عطاء غيره، فتطمئن نفسه، ويطمئن قلبه، فكان اليقين بهذا نصف الإيمان، وهو فوق الصبر –كما سيتبين بعد قليل- وقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه قال:'الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ' رواه البخاري تعليقا مجزوما به.

بل قال ابن القيم رحمه الله:'اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما يُمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تُفتتح بالمحبة واليقين، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم' [مدارج السالكين 2/ 397]. ولهذا قال أبو بكر الوراق رحمه الله:'اليقين ملاك القلب، وبه كمال الإيمان، وباليقين عُرف الله، وبالعقل عُقل عن الله'.

رابعاً: اليقين في الكتاب والسنة: الله تبارك وتعالى يذكر اليقين في مواضع متعددة:

* فتارة: يذكره من أوصاف أهل الإيمان: فيقول:} وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [4] {[سورة البقرة].

وتارة: يذكر بعض حِكَمِه في بعض أفعاله، وليصل بعبدٍ من عباده إلى مرتبة اليقين: فيقول:} وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [75] {[سورة الأنعام].

وتارة: يذم من لا يقين عنده: فيقول:} أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [82] {[سورة النمل].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير