و ذكر ابو محمد الحسن بن علي ابن شعبة الحراني (من اعلام القرن الرابع) كتابا للحسن البصري , بعث به الى الامام السبط الاكبر الحسن بن علي (ع) يساله عن رايه في القدر و الاستطاعة , و في مفتتح الكتاب ما ينبئ عن ولا صميم و عقيدة ثابتة كان يحملها لال بيت الرسول (ص) جا فيه:.
((اما بعد فانكم ـ معشر بني هاشم ـ الفلك الجارية في اللجج الغامرة , و الاعلام النيرة الشاهرة , او كسفينة نوح التي نزلها المؤمنون و نجا فيها المسلمون.
كتبت اليك يا ابن رسول اللّه عند اختلافنا في القدر, و حيرتنا في الاستطاعة فاخبرنا بالذي عليه رايك و راي آبائك (ع) فان من علم اللّه علمكم , و انتم شهدا على الناس , و اللّه الشاهد عليكم , ذرية بعضها من بعض , واللّه سميع عليم ((1031)).
و روى الصدوق باسناده في اماليه عن ابي مسلم , قال: خرجت مع الحسن البصري و انس بن مالك حتى اتيناباب ام سلمة فقعد انس على الباب و دخلت مع الحسن , فسمعت الحسن و هو يقول:.
السلام عليك يا اماه و رحمة اللّه و بركاته فقالت: و عليك السلام , من انت يا بنى؟.
فقال الحسن: انا الحسن البصري.
فقالت: فيما جئت يا حسن فقال لها: جئت لتحدثيني بحديث سمعتيه من رسول اللّه (ص) في على بن ابي طالب (ع).
فقالت ام سلمة: واللّه لاحدثنك بحديث سمعته اذناي من رسول اللّه (ص) و الا فصمتا, و راته عيناي والافعميتا, و وعاه قلبي و الا فطبع اللّه عليه , و اخرس لساني ان لم يكن سمعت رسول اللّه (ص) يقول لعلى بن ابي طالب (ع):.
((يا علي , ما من عبد لقي اللّه يوم يلقاه جاحدا لولايتك الا لقي اللّه بعبادة صنم او وثن)).
قال ابو مسلم: فسمعت الحسن البصري و هو يقول: اللّه اكبر, اشهد ان عليا مولاي و مولى المؤمنين.
فلما خرج قال له انس بن مالك: ما لي اراك تكبر؟ من رسول اللّه (ص) في على , فقالت لي: كذا و كذا فقلت: اللّه اكبر اشهد ان عليا مولاي و مولى كل مؤمن.
قال ابومسلم: فسمعت عند ذاك انس بن مالك و هو يقول: اشهد على رسول اللّه (ص) انه قال هذه المقالة ثلاث مرات او اربع مرات ((1032)).
و اما القول بالقدر, ـ حسبما يفسره اهل العدل ـ ((1033)) فقد عرفت من السيد نسبته اليه , قال: ((و احد من تظاهرمن المتقدمين بالقول بالعدل الحسن البصري , قال: كل شي بقضا اللّه و قدره الا المعاصي)) ((1034)).
و لكن الاشاعرة ـ و هم جمهور اهل السنة ـ لم يرقهم ذلك بشان مثل الحسن البصري الامام المعترف به لدى الجميع , فجعلوا يتاولون كلامه في ذلك او يحملونه على رايه القديم , و قد تاب منه و رجع الى راي الجماعة ,كما زعموا.
قال ابو عبد اللّه الذهبي: و اما مسالة ((القدر)) فصح عنه الرجوع عنها, و انها كانت زلقة لسان ((1035)).
و روى ابن سعد عن حماد بن زيد عن ايوب , قال: نازلت الحسن في القدر غير مرة , حتى خوفته السلطان ,فقال: لا اعود فيه بعد اليوم و عن ابي هلال , قال: سمعت حميدا و ايوب يتكلمان , فسمعت حميدا يقول لايوب:لوددت انه قسم علينا غرم , و ان الحسن لم يتكلم بالذي تكلم به , قال ايوب: يعني في القدر ((1036)).
قال عبد الكريم الشهرستاني: و رايت رسالة نسبت الى الحسن البصري كتبها الى عبدالملك بن مروان ((1037)) و قد ساله عن القول بالقدر و الجبر, فاجابه فيها بما يوافق مذهب القدرية و استدل فيها بيات من الكتاب و دلائل من العقل قال: و لعلها لواصل بن عطا, فما كان الحسن ممن يخالف السلف في ان القدر خيره و شره من اللّه تعالى فان هذه الكلمات كالمجمع عليها عندهم قال: والعجب انه حمل هذا اللفظ (الخير و الشر كله من اللّه) الوارد في الخبر, على البلا و العافية , و الشدة و الرخا, و المرض و الشفا, و الموت و الحياة , الى غير ذلك من افعال اللّه تعالى , دون الخير و الشر, و الحسن و القبيح ,الصادرين من اكتساب العباد, و كذلك اورده جماعة من المعتزلة في المقالات عن اصحابهم ((1038)).
¥