تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليس له أن يمتنع عن أداء قسطه من ذلك حتى يؤخذ ذلك من بقية الناس، بأن يجعل قسطه ايضاً عليهم لوجوه، منها: انه يفضى إلى أن الضعفاء الذين ليس لهم ناصر يؤخذ منهم جميع ذلك المال. ومنها أنه يعلم أن قسطه يوضع على غيره فكأنه قد أمر به. ومنها أن المسلمين إذا احتاجوا إلى مال يجمعونه لدفع عدوهم وجب على القادرين الاشتراك في ذلك. فعلى هذا إذا تغيب بعضهم أو امتنع من الأداء وأخذ من غيره حصته كان عليه أن يؤدي قدر نصيبه إلى من أدى عنه

– في أظهر قولي العلماء – ويعاقب على أدائه (1) كما يعاقب على سائر الحقوق الشرعية.

وكذلك من خلص ماله من قطاع الطريق، أو عسكر ظالم، أو متول ظالم، ولم يخلصه إلا بما أدى عنه فإنه يرجع بذلك عليه، وهو محسن إليه بذلك، وإن لم يكن مؤتمناً على ذلك ولا مكرهاً على الأداء عنه – وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان! ومن جعله في هذا متبرعاً ولم يعطه شيئاً فقد قابل الإحسان بالإساءة. والمسألة خلافية، وما ذكرناه أعدل وأقرب للأدلة الشرعية. أنتهى مختصراً.

[هل تنجس المائعات بموت حيوان]

(قوله: وإن المائعات لا تنجس بموت حيوان فيها كالفأرة) – أقول: اختلف الأئمة في مقدار الماء الذى إذا وقعت فيه نجاسة لا يتنجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة، فعند الشافعي وأحمد في المشهور عنه: إذا بلغ قلتين لا يحمل خبثاً. وعند أبي حنيفة: يتنجس الماء القليل إذا وقعت فيه النجاسة وإن تغير أحد أوصافه، إلا إذا كان جارياً أو غير جار لكنه كثير، فإنه لا يندس إلا إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة فإنه ينجس.

وقدر الكثير عنده بالغدير العظيم الذى لا يتحرك طرفه بتحرك الطرف الآخر، أو بما كان عشره أذرع في عشرة أذرع، فيكون وجه الماء مائة ذراع. وعند مالك: الماء لا ينجس ولو كان قليلاً إلا إذا تغير أحد أوصافه. وهذا كله مبسوط في كتب المذاهب.

وأختلفوا أيضاً في أن النجاسة هل تزال بكل مائع طاهر، أم بالماء خاصة فقالت الأئمة الثلاثة: لا تزال النجاسة إلا بالماء.

وقال إمامنا الأعظم أبو حنيفة رحمه الله تعالى: تزال بكل مائع مزيل غير الأدهان فإنها لا تزال بها النجاسة، وأما الخل ونحوه فإنه تزال به النجاسة.

واختلفوا ايضاً في ان سائر المائعات كالخل ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة هل ينجس مطلقاً ولو كان كثيراً، أو لا ينجس الكثير كالماء الكثير؟ فيه خلاف، وهذا هو موضوع هذه المسألة، ولنذكرك إن شاء الله تعالى أقوال العلماء في ذلك.

وحاصل قول الشيخ ابن تيميه فيما هنالك، حتى يتضح الحالك، ويبدو للسالك أنه قد سلك واضح المسالك. فقد قال المحقق الحصكفى الحنفى في الدر المختار: وحكم سائر المائعات كالماء في الأصح حتى ولو وقع بول في عصير عشر في عشر، أى في حوض كبير لا يتحرك طرفه بتحرك الأخر المقدر بعشر في عشر، لم يفسد ذلك العصير أى لم يظهر أثر النجاسة. ولو سال دم


(1) قوله ((على أدائه)) لعله ((على عدم أدائه)) أهـ. هامش الأصل.
رجله مع العصير لا ينجس. ويحل شربه، لأنه جعل في حكم الماء عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافاً لمحمد. انتهى بتوضيح من المحشى.
وقال في موضع آخر في باب المياه أيضاً، ثم المختار: طهارة المتنجس بمجرد جريانه، وكذا البئر وحوض الحمام. قال محشيه العلامة ابن عابدين بعد كلام كثير في تطهير ماء الحوض الصغير والأواني، وأنه هل يطهر بمجرد خروج الماء منها أم لا؟ والخلاف في ذلك ما نصه: وأخبرني شيخنا حفظه الله تعالى أن بعض أهل عصره في حلب أفتى بذلك، أى بمطلق السيلان منها حتى في المائعات، وإنهم أنكروا عليه ذلك، وأقول مسألة العصير تشهد لما أفتى به، وقد مر أن حكم المائعات كالماء في الأصح.
فالحاصل أن ذلك له شواهد كثيرة، فمن أنكره وأدعى خلافه يحتاج إلى إثبات مدعاه بنقل صريح لا بمجرد أنه لو كان كذلك لذكروه في تطهير المائعات كالزيت ونحوه. على أنه في القهستاني أن المائع كالماء والدبس (1) وغيرهما طهارته إما بإجرائه مع نجسه، وإما بالخلط مع الماء، كما إذا جعل الدهن في الخابية ثم صب فيه ماء مثله، وحرك ثم ترك حتى يعلو وثقب أسفلها حتى يخرج الماء، هكذا يفعل ثلاثاً، فإنه يطهر كما في الزاهدي أنتهى باختصار.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير