أولاً: هذا الإطلاق: الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق ليس على إطلاقه، بل له قيد وهو إذا لم يشتد ضعف الطرق. وهذا يحتاج إلى شرح في اصطلاح علماء الحديث. شو معنى لم يشتد ضعف الطرق؟ وشو حصيلة هذا الشرط؟
حصيلته بإيجاز وبختصار جد المختصر هو: أن يكون الضعف ناتجاً من سوء حفظ أحد الرواة؛ لأن هذا الراوي سيء الحفظ ممكن إذا تفرد في رواية الحديث يكون أخطأ فيه، والخطأ يكون أنواعاً، وهذا طبعاً مشروح شرحاً لا شرح بعده في كتب مصطلح الحديث.
الراوي السيء الحفظ يكون الحديث من كلام الصحابي يسهو فيقول: قال رسول الله، وقد يكون العكس، يكون الحديث عن الصحابي عن رسول الله فيسهو فيقول: قال الصحابي الفلاني وهكذا، والأمثلة كثيرة.
فالشرط هنا إذا لم يشتد ضعفه، أي كانت هذه الطرق تدور على رواة كلهم ثقات عدول صالحين ولا يكذبوا، ولكن كل طرؤيق لا يخلو من رجل فيه سوء حفظ.
حينئذ صحيح نظرياً ممكن السيء الحفظ إنه يروي حديث فيه خطأ ما نكشف لنا إحنا، شو يكون موقفنا من حديثه؟ نبتعد عنه؛ لأننا لا نروي الحديث ولا ننسبه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بعد ما يحصل عندنا غلبة الظن بأنه قاله.
رواية السيء الحفظ للحديث الضعيف ما تحقق غلبة الظن في نفس الباحث أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال هذا، بل على العكس من ذلك يجتنب العلماء حديث الصدوق السيء الحفظ فلا يحتج به.
لكن صدوق زائد صدوق طريق ثاني زائد صدوق طريق ثالث وعد على حسب الحديث وطرقه، حتى الشبهة التي من أجلها لا يحتج علماء الحديث بسيء الحفظ تزول. ليه؟ لأنه كيف هذا أخطأ وذاك أخطأ وذاك أخطأ، هذا بعيد جداً.
يأتي بعض العلماء بمثال: لو فرضنا أن شاعراً مجيداً نظم شعراً أربع أو خمسة أبيات لا يمكن لشاعر آخر أن ينظم المعنى بنفس الألفاظ التي جاء بها الشاعر الأول، قد يدندن حول المعنى لكن ينظم بقافية أخرى.
فإذا اجتمع ضعيف مع ضعيف كما قيل:
لا تحارب بناظريك فؤادي * * * فضعيفان يغلبان قوي.
هؤلاء إذا اجتمع ثلاثة أو أربعة من الضعفاء يعطوا قوى للرواية هذه.
ثم دليل العلماء في هذه القاعدة بعد توضيحها وبيان الشرط فيها إن الله جعل شهادة المرأتين بمنزلة شهادة الرجل الواحد وقال في تعليل ذلك: (أن تظل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، فالشهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل؛ لأنها لها أوضاع خاصة ليس كالرجل فدعم هالضعف الغريزي الموجود في المرأة رب العالمين بشهادة امرأة أخرى، فامرأتان تساويان شهادة رجل واحد.
فإذا ضعيفان من النوعية السابقة يساويان رواية ثقة، فبهذا الشرط الحديث الضعيف إذا كثرة طرقه ولم تكن هذه الطرق شديدة الضعف فهو يرتقي إلى مرتبة الحسن، بل قد يرتقي إلى مرتبة الصحيح كلما تكاثرة الطرق؛ لأن تكاثر الطرق يقوي الظن الذي ألقي في النفس من الطريقين أو الثلاثة.
راجع: سلسلة الهدى والنور رقم الشريط (71).
ـ[أبو الزهراء الشافعي]ــــــــ[04 - 03 - 05, 08:36 م]ـ
قال ابن الجوزي في {صيد الخاطر} (ص 226 - 227):
((كان قد سألني بعض أصحاب الحديث: هل في مسند أحمد ما ليس بصحيح؟ فقلت: نعم.
فعظم ذلك على جماعة ينسبون إلى المذهب، فحملت أمرهم على أنهم عوام، و أهملت فكر ذلك.
إذا بهم قد كتبوا فتاوي، فكتب فيها جماعة من أهل خراسان، منهم أو أبو العلاء الهمداني يعظمون هذا القول، و يردونه و يقبحون قول من قاله.
فبقيت دهشاً متعجباً، و قلت في نفسي: و اعجباً صار المنتسبون إلى العلم عامة أيضاً.
وما ذاك إلا أنهم سمعوا الحديث و لم يبحثوا عن صحيحه و سقيمه، و ظنوا أن من قال ما قلته قد تعرض للطعن فيما أخرجه أحمد.
و ليس كذلك، فإن الإمام أحمد روى المشهور و الجيد و الرديء. ثم هو قد رد كثيراً مما روى، و لم يقل به، و لم يجعله مذهباً له. أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ مجهول!
من نظر في كتاب العلل الذي صنفه أبو بكر الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في المسند، و قد طعن فيها أحمد.
ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء في مسألته النبيذ قال: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، و لم يقصد و لا السقيم.
ويدل على ذلك أن عبد الله قال: قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن حراش عن حذيفة؟ قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي داود؟ قلت: نعم. قال: الأحاديث بخلافه. قلت: فقد ذكرته في المسند. قال قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرد لهذا المسند إلا الشيء بعد الشيء اليسير. ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث، لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه. قال القاضي ـ و قد أخبر عن نفسه ـ كيف طريقه في المسند فمن جعله أصلاً للصحة فقد خالفه و ترك مقصده.
قلت: قد غمني في هذا الزمان أن العلماء لتقصيرهم في العلم صاروا كالعامة و إذا مر بهم حديث موضوع قالوا: قد روي.
و البكاء ينبغي أن يكون على خساسة الهمم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.)).
¥