ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[10 - 04 - 05, 02:05 ص]ـ
وقبل الشروع بذكر أسماء الرواة المتروكين وأحاديثهم في المسند، يحسُن بنا أن نذكر نُبذة عن الراوي المتروك، وتعريفه، وحكم الرواية عنه.
1 – الترك لغة واصطلاحاً:
الترك لغة: وَدْعُك الشيء، يقال: تركه تركاً، وتركت الشيء تركاً: خلَّيته (1).
وفي اصطلاح المحدثين: هو الراوي الذي يُتَّهم بالكذب في الحديث، أو ظهر فسقه بالفعل أو بالقول، أو فحُش غلطه، وكَثُرت غفلته حتى غلب ذلك على صوابه (2).
(1) لسان العرب 1/ 430.
(2) ينظر: شرح علل الترمذي 1/ 72.
ص298
فقد سأل عبدُ الرحمن بن مهدي شعبةَ بن الحجاج: متى يُترك حديث الرجل؟ فقال: إذا حدث عن المعروفين ما لا يعرفه المعرفون، وإذا كثر الغلط، وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديثاً غلطاً مجتمعاً عليه فلم يتهم نفسه فيتركه طُرح حديثه، وما كان غير ذلك فارووا عنه (1).
وقال الإمام مالك: أربعة لا يكتب حديثهم: رجل سفيه معروف بالسفه وصاحب هوى داعية إلى هواه، ورجل صالح لا يدري ما يُحدِّث، ورجل يكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائرهم يُكتب عنهم (2).
وبهذا يُتبين أن الراوي لا يُقال فيه: (متروك) حتى يتصف بواحد من الأوصاف السابقة، وإليك تفصيلها:
أ – من كان يكذب في روايته، ويتعمد ذلك، ويدخل في هذا الوصف من روى الخطأ من غير أن يعلم أنه خطأ، فلما عُرف وجه الصواب أصرَّ على الخطأ أَنَفَة من أن يُنسب إلى غلط (3)، ويلحق به أيضاً من غلبه الزُّهد فغفل عن الحفظ، وفي ذلك يقول ابن حبان – وهو يتحدث عن أنواع جرح الضعفاء -: ومنهم من كبر وغلب عليه الصلاح والعبادة، وغفل عن الحفظ والتمييز ... حتى خرج عن حد الاحتجاج به (4). ويقول يحيى بن سعيد القطان: لم نجد الصالحين أكذب منهم في الحديث (5). وقال مالك: لقد أدركت في هذا البلد – يعني المدينة – مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة يحدِّثون، ما سمعت من
(1) رواه العقيلي في الضعفاء 1/ 13، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 32.
(2) رواه العقيلي في الضعفاء 1/ 13، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 32، وابن حبان في المجروحين 1/ 80، وابن عدي في الكامل 1/ 103.
(3) ينظر: كتاب الموضوعات لابن الجوزي 1/ 16.
(4) المجروحين 1/ 67.
(5) رواه مسلم في مقدمة الصحيح 1/ 122، وابن عدي في الكامل 1/ 151. وعقب عليه مسلم بقوله: يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب.
ص299
أحد منهم حديثاً قط، قيل له: ولم يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكونوا يعرفون ما يُحدِّثون (1).
ب – أو ظهر منه سبب مفسِّق، والفسق في الاصطلاح الشرعي: خروج المسلم عن تعاليم الشرع (ويقع بالقليل من الذنوب وبالكثير، ولكن تعُورف فيما إذا كان كثيراً (2).
وأكثر مايقال الفاسق لمن التزم به، وأقر به، ثم أخلّ بجميع أحكامه، أو بعضه) (3). وقال ابن حبان: ومنهم – يعني من المجروحين – المعلن بالفسق والسفه، وإن كان صدوقا في روايته، لأن الفاسق لا يكون عدلاً، والعدل لا يكون مجروحاً، ومن خرج عن حد العدالة لا يُعتمد على صدقه ... إلخ (4).
قلت: ومن الفسق أيضاً سبُّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاصهم، وتتبع معايبهم، وفي ذلك يقول ابن معين: كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجال لا يُكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (5). وقال أبو زرعة الرَّازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ... إلخ (6). وقال الحافظ الذهبي، وهو يتحدث عن البدعة: وبدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحطِّ على أبي بكر وعمر والدعوة إلى ذلك فهذا النوع لا يُحتج بهم ولا كرامة (7).
(1) رواه العقيلي في الضعفاء 1/ 13، وابن عدي في الكامل 1/ 104، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/ 213.
(2) وهذا العرف يحتاج إلى تقييد شرعي أو عرفي، وما هو قادح في العدالة.
(3) من كتاب المنهاج الإسلامي في الجرح والتعديل للدكتور فاروق حمادة ص287.
(4) المجروحين 1/ 79.
(5) التاريخ لابن معين، رواية الدوري 2/ 66.
¥