عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى بَلَغَهُ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يُحَدِّثُ فِيهَا بِنَهْيٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا ابْنُ عُمَرَ بَعْدُ وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْهَا بَعْدُ قَالَ زَعَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا.
والحديث متفق عليه.
فهذا الحديث نص في محل النزاع لأن ابن عمر ثبت عنه أنه ترك المخابرة بقول رافع ابن خديج الذي لم يبلغه إلا في آخر خلافة معاوية، وذلك يُنافي اشتهار هذا الحديث إذ لو اشتهر لعلمه ابن عمر الراوية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقيم بالمدينة دار الحديث.
3 - رجوع ابن عمر رضي الله عنه إلى خبر أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في الاستئذان، وهو مما تعم به البلوى.
فعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنْتُ جَالِسًا بِالْمَدِينَةِ فِي مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فَأَتَانَا أَبُو مُوسَى فَزِعًا أَوْ مَذْعُورًا.
قُلْنَا: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: إِنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ آتِيَهُ فَأَتَيْتُ بَابَهُ فَسَلَّمْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ. فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا؟!
فَقُلْتُ: إِنِّي أَتَيْتُكَ فَسَلَّمْتُ عَلَى بَابِكَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ فَرَجَعْتُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ]
فَقَالَ عُمَرُ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا أَوْجَعْتُكَ.
فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: لَا يَقُومُ مَعَهُ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ قُلْتُ: أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْم.ِ
قَالَ: فَاذْهَبْ بِهِ.
وَزَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: " فَقُمْتُ مَعَهُ فَذَهَبْتُ إِلَى عُمَرَ فَشَهِدْتُ "
والحديث أخرجه مسلم.
فهذا عمر رضي الله عنه مع ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته؛ ثم أبي بكر رضي الله عنه مدة خلافته خفي عليه هذا الحديث حتى توعد أبا موسى الأشعري رضي الله عنه إن لم يأته بمن يشهد له على ما حدّث به عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يعلمه عمر.
فإن قيل: لا نسلم إجماع الصحابة على العمل بخبر الواحد فيما تعم به البلوى فإن خبر أبي بكر رضي الله عنه رد خبر المغيرة في الجدة.
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: جَاءَتْ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا؟
قَالَ فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ فَسَأَلَ النَّاسَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهَا السُّدُسَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْر.ٍ
قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا؟
فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَلَكِنْ هُوَ ذَاكَ السُّدُسُ فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا]
الحديث أخرجه الترمذي، وغيره وقال الحافظ في " التلخيص " (3/ 82):
" وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته أن مرسل فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن له شهوده للقصة قال ابن عبد البر بمعناه " اهـ.
فالجواب:
أن رده رضي الله عنه لم يكن مطلقاً، ولهذا لما تابعة على ذلك محمد بن مسلمة وخبرهما غير خارج عن الآحاد.
انظر: " الإحكام " للآمدي (2/ 113).
ثالثاً: وأما المعقول فهو من أربعة أوجه:
الوجه الأول:
أنه حكم شرعي يجوز فيه الاجتهاد فجاز إثباته بخبر الواحد. كما في " التبصرة في أصول الفقه " صـ 314.
الوجه الثاني:
أن الراوي عدل ثقة، وهو جازم بالرواية فيما يمكن فيه صدقه، وذلك يغلب على الظن صدقه فوجب تصديقه كخبره فيما لا تعم به البلوى. كما في " الإحكام " للآمدي (2/ 112)، و" كشف الأسرار " (3/ 17).
الوجه الثالث:
أن العمل بالقياس صحيح في المسائل التي تعم به البلوى، وكل حكم ثبت بالقياس ثبت بخبر الواحد، بل إن ثبوت الحكم بخبر الواحد فيما تعم به البلوى أولى من ثبوت القياس فيه لأن القياس فرع مستنبط من خبر الواحد.
انظر: " التبصرة في أصول الفقه " صـ 314 – 315، و" كشف الأسرار " (3/ 17).
الوجه الرابع:
أن وجوب العمل بخبر الواحد ثبت بدليل قاطع، وهو إجماع الصحابة فصار كالقرآن المقطوع بصحته فإذا جاز إثبات ما تعم به البلوى بالقرآن جاز إثباته أيضاً بخبر الواحد.
انظر: " التبصرة في أصول الفقه " صـ 315، و" الإحكام " للآمدي (2/ 113).
مناقشة أدلة ما ذهب إليه الحنفية من رد خبر الواحد الذي ورد فيما تعم به البلوى، وما استدلوا به في ذلك من ستة وجوه:
............ يُتبع ..............
¥