وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 348 - 349): قد أجمع العلماء على ما قلنا من أن أطفال المسلمين في الجنة، فأغنى ذلك عن كثير من الاستدلال، ولا أعلم عن جماعتهم في ذلك خلافا إلا فرقة شذت من المجبرة فجعلتهم في المشيئة، وهو قول شاذ مهجور مردود بإجماع الجماعة وهم الحجة الذين لا يجوز مخالفتهم، ولا يجوز على مثلهم الغلط في مثل هذا إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد والثقات.
وقال أيصا في التمهيد (18/ 90): وأجمع المسلمون من أهل السنة وغيرهم - إلا المجبرة – أن أولاد المؤمنين في الجنة أهـ.
وقال النووي في شرح مسلم (16/ 207): أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة، لأنه ليس مكلفا، وتوقف فيه بعض من لا يعتد به أهـ.
وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 81): وهذا القول في أطفال المسلمين هو المعروف من قواعد الشرع، حتى إن الإمام أحمد أنكر الخلاف فيه، وأثبت بعضهم الخلاف، وقال: إنما الإجماع في أولاد الأنبياء خاصة اهـ.
وقال القرطبي في التذكرة (ص 599): وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم، وهذا فيما عدا أولاد الأنبياء عليهم السلام، فإنه قد تقرر الإجماع على أنهم في الجنة، حكاه أبو عبد الله المازري اهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 32): وليعلم أن هذا الخلاف مخصوص بأطفال المشركين، فأما ولدان المسلمين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه أبو يعلى ابن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة، وهذا هو المشهور بين الناس، وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل.
ثانيا: هل نقل الخلاف صحيح؟
يظهر مما تقدم من أقوال العلماء أن فرقة من الفرق المنتسبة إلى الإسلام وهم المجبرة على قول ابن عبد البر، ومن لا يعتد به كما في قول النووي، قالت بالتوقف، وقد أشار لمثل هذا الخلاف ابن حزم في الفصل (2/ 380) فقال: اختلف الناس في حكم من مات من أطفال المسلمين والمشركين ذكورهم وإناثهم اهـ لكنه لم يسم أحدا ممن خالف في أطفال المسلمين.
وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 76) ذهبت طائفة من أهل العلم إلى التوقف في جميع الأطفال سواء كان آباؤهم مسلمين أو كفارا، وجعلوا بجملتهم في المشيئة اهـ.
ومقتضى الجمع بين ما تقدم من الأقوال: أنه لا خلاف بين أهل السنة والجماعة في أن أطفال المسلمين في الجنة كما دلت عليه الأحاديث المذكورة، لكن الحافظ ابن عبد البر نقل عن جماعة من أئمة السنة أنهم توقفوا عن الجزم لأطفال المسلمين بالجنة، فقال في التمهيد (18/ 98): باب ذكر الأخبار التي احتج بها من أوجب الوقوف عن الشهادة لأطفال المسلمين وغيرهم بجنة أو نار، وجعل جميعهم في مشيئة الجبار ... ثم ذكر الأدلة الآتية ثم قال (18/ 111): بهذه الآثار وما كان مثلها احتج من ذهب إلى الوقوف عن الشهادة لأطفال المسلمين أو المشركين بجنة أو نار، وإليها ذهب جماعة كثيرة من أهل الفقه والحديث منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه، وهو يشبه ما رسمه مالك في أبواب القدر في موطئه، وما أورد في ذلك من الأحاديث، وعلى ذلك أكثر أصحابه، وليس عن مالك فيه شيء منصوص، إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار خاصة في المشيئة لآثار وردت في ذلك اهـ.
وأقره القرطبي في التذكرة (ص 592) بعد نقله لكلام ابن عبد البر والحليمي في منهاجه.
وقال الحليمي في منهاجه: وقد توقف في ولدان المسلمين من توقف في ولدان المشركين وقال: إذا كان كل منهم يعامل بما علم الله تعالى منه أنه فاعله لو بلغه فكذلك ولدان المسلمين ... ثم ذكر أن هذا القائل احتج بحديث عائشة الآتي ثم قال: فهذا يدل على أنه لا يمكن أن يقطع في أطفال المسلمين بشيء (ذكره القرطبي في التذكرة ص 592).
¥