إلا من العاقل المدرك.
والدليل على ذلك قوله تعالى ? فأنذرتكم نارا تلظى * لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى ?، وقوله ? وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ? وقوله ? كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ?، وقوله لإبليس ? لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ? إلى غير ذلك من النصوص التي هي صريحة في أن النار جزاء الكافرين المكذبين اهـ.
وأما حديث ابن عباس في الولد الذي قتله الخضر فأجيب عنه من وجهين:
أولهما: الطعن فيه
وهذا الطعن في حديث ابن عباس وإن رواه مسلم بأمرين:
الأمر الأول: الإعلال بالوقف
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 110): وهذا خبر لم يروه عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي مرفوعا إلا رقبة بن مصقلة وعبد الجبار بن عباس الهمداني، ولم يرفعه شعبة والثوري اهـ (7).
الأمر الثاني: الإعلال بعنعنة السبيعي وهو مدلس
وهذه العلة أشار إليها الشيخ ناصر الدين الألباني في تخريج السنة تحت الحديث (رقم 194) فقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين مع ما في النفس من عنعنة أبي إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي، فإني لم أجد تصريحه بالسماع في شيء من الروايات عنه اهـ.
قال أبو عبد الباري: والأمر – فيما رأيت –كما قال الألباني من عنعنته في سائر الطرق عنه، وأبو إسحاق مدلس معروف، وليست هذه من رواية شعبة عنه.
قال الحافظ في طبقات المدلسين (ص101): مشهور بالتدليس، وأورده في الطبقة الثالثة التي قال الحافظ فيها في طبقاته (ص 23): من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا ومنهم قبلهم اهـ.
ومع ذلك فإن بعض المحدثين ذهبوا إلى أن السبيعي لا يصح له سماع من سعيد بن جبير كما قال البخاري فيما ذكره العلائي في جامع التحصيل (ص 976): لا أعرف لأبي إسحاق سماعا من سعيد بن جبير اهـ وعزاه بشار عواد في تحقيق تهذيب الكمال (22/ 104) لترتيب علل الترمذي الكبير (الورقة 75)، وعليه فمرسل خفي.
كذا قيل عنه!! وهو غريب فقد روى البخاري في صحيحه (رقم 6299 - 6300) من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان مختونا يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم (8).
ثانيهما: تأويله بما يوافق النصوص الأخرى
وتلخيص ما قال العلماء في هذا الوجه هو حمله على أحد وجوه، وقد يكون بمجموعها أو بعضها، فقيل:
أنه في شريعة منسوخة.
أو أنه كان رجلا بالغا ولم يكن صبيا.
أو أنه كان مكلفا بتلك الشريعة بناء على صحة تكليف لمميز
أو أنه من باب ارتكاب أخف الضررين وليس فيه أنه يعذب في الآخرة، وهو من باب قتل الصبي الكافر في ديننا إذا لم ينته ضرره إلا بالقتل وغير ذلك.
وهذه جملة من أقوال العلماء في ذلك:
- قال ابن عبد البر في التمهيد (18/ 89 - 90): وأما الغلام الذي قتله الخضر فأبواه مؤمنان، لا شك في ذلك، فإن كان طفلا ولم يكن كما قال بعض أهل العلم رجلا قاطعا للسبيل (9)، فمعلوم أن شريعتنا وردت بأن كل أبوين مؤمنين لا يحكم لطفلهما الصغير بحال الكفر، ولا يحل قتله بإجماع، وكفى بهذا حجة في تخصيص غلام الخضر اهـ.
- وقال ابن تيمية في درء التعارض (8/ 362 - 363): فقوله: طبع، أي طبع في الكتاب، أي قدر وقضي، لا أنه كان كفره موجودا قبل أن يولد، فهو مولود على الفطرة السليمة، وعلى أنه بعد ذلك يتغير فيكفر، كما طبع كتابه يوم طبع.
ومن ظن أن المراد به الطبع على قلبه وهو الطبع المذكور على قلوب الكفار، فهو غالط، فإن ذلك لا يقال فيه: طبع يوم طبع، إذ كان الطبع على قلبه إنما يوجد بعد كفره، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حدث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى أنه قال:" خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا "، وهذا صريح في أنه خلقهم على الحنيفية، وأن الشياطين اجتالتهم بعد ذلك اهـ المراد منه.
¥