وعليه، فإنَّ قول الشَّيْخِ الألْبَانِيُّ فِي ((ظلال الجنَّة)) (1/ 220): ((إسناده حسن صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه)) بعيد عن الصَّواب، فإن مُسْلِمَاً لم يعتمده فى روايته عَنْ الأَعْمَشِ!.
وكأنَّ الحديث من رواية مُحَاضِرِ بْنِ الْمُوَرِّعِ يدور على أربع طرقٍ:
[الطريق الأولى] الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
[الطريق الثانية] الأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
[الطريق الثالثة] الأَعْمَشُ عَنْ أبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقد روى هذه الأوجه الثلاثة: مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ - بضم السِّين وفتح العين وبأخره راء مهملة - بْنِ الْخِمْسِ التَّمِيمِيُّ، فخالفه على الوجهين الثانِي والثَّالث، فجعلهما ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأَبِي سَعِيدٍ مَعَاً))، وقال فِي سياقه ((شَطْرُ اللَّيْلِ)).
أخرجه ابن أبِي عاصم ((كتاب السنَّة)) (501،500)، والآجرِيُّ ((كتاب الشَّريعة)) (647)، والدارقطنِيُّ ((النزول)) (96. بترقيمى) من طرق عَنْ مَالِكِ بْنِ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَحَبِيبٍ عَنْ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأَبِي سَعِيدٍ قَالا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ، نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا)) نحوه.
قلت: ولَمْ يُتَابَعَا ـ أعنِي مُحَاضِرَاً وَمَالِكَاً ـ على الوجهين الأوَّلين، بل وخالفهما سُهَيْلُ ابْنُ أَبِي صَالِحٍ فرواه ((عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ))، فلم يذكر أبَا سَعِيدٍ، مما يدلُّ على اضطرابهما فِي رواية الحديث.
فقد أخرجه مُسْلِمٌ (6/ 37. نووي) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ قَالَ: ((يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ)).
قُلْتُ: وهو ((عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)) أكثر وأشيع، وسيأتى تخريج هذا الوجه فِي موضعه من تعليقنا على ((كتاب النزول)).
وقد تُوبِعَا على الوجه الثَّالث، فقد رواه: مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وشُعْبَةُ، وحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، ويُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وأبُو عَوَانَةَ، وَمَعْمَرٌ، وزَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وغَيْرُهُمْ ((عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأَبِي سَعِيدٍ))، وبلفظ ((إِنَّ اللهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ)).
يعنى تُوبعَ ابْنُ سُعَيْرٍ على الإسناد، وابْنُ الْمُوَرِّعِ على السِّياق، مَمَّا يدلُّ على أنَّ واحداً منهما لم يضبط الإسناد والمتن معاً!!. وإن كان هذا الوجه الثَّالث أشبه روايات الحديث بالصِّحة، وسيأتى بيان طرقه عند الدَّارَقُطْنِيِّ.
[الطَّريق الرَّابعة] الأَعْمَشُ عَنْ أبِي سُفَيْانَ عَنْ جَابِرٍ، والأَعْمَشُ يَتَرَدَّدُ فِي هذا الوجه.
وهذا الوجه لا أعلم أحداً تابع عليه مُحَاضِرَ بْنَ الْمُوَرِّعِ، فهو من أفراده، ومحاضر ليس بالمتين فيما يتفرَّد به، وإنما أخرج مُسْلِمٌ فِي ((الصِّحيح)) رواية الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ من حديث جَرِيرٍ عنه، وليس فيها ذكر النُّزُولَ، وهذا الوجه أصحُّ.
¥