فقد قال عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ سألت أبِي عنه فقال: كان في أول أمره متماسكاً، ثم فسد بآخره. وقال أبو حَاتِمٍ الرازىُّ: الأحاديث التي أخرجها أبُو صَالِحٍ في آخر عمره فأنكروها عليه، أرى أن هذا مما افتعل خَالِدُ بْنُ نَجِيحٍ، وكان أبُو صَالِحٍ يصحبه، وكان أبُو صَالِحٍ سليمَ الناحية، وكان خَالِدٌ يضع الحديث في كتب الناس، ولم يكن أبُو صَالِحٍ يروي الكذب، بل كان رجلاً صَالِحَاً.
وقال عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينيِّ: ضربت على حديثه. وقال صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه، وعندي أنه يكذب فِي الحديث. وقال النَّسَائِىُّ: ليس بثقة. وقال ابن عدِيٍّ: كان مستقيم الحديث، إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمد الكذب. وقال ابن حبَّان ((المجروحين)) (2/ 40): ((منكر الحديث جداً يروي عن الأثبات مالا يشبه أحاديث الثقات، وعنده المناكير الكثيرة عن أقوام مشاهير أئمة، وكان في نفسه صدوقاً، يكتب لِليْثِ بْنِ سَعْدٍ الحساب، وكان كاتبه على الغلات، وإنما وقع المناكير في حديثة من قِبَلِ جارٍ له رجلِ سوءٍ. سمعت ابن خزيمة يقول: كان له جارٌ بينه وبينه عداوة، فكان يضع الحديث على شيخ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ، ويكتب في قرطاسٍ بخطٍ يشبه خط عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ، ويطرح في داره في وسط كتبه، فيجده عَبْدُ اللهِ، فيحدِّث به، فيتوهم أنه خطَّه وسماعه، فمن ناحيته وقع المناكيرُ في أخبارِه)).
قلت: فقد بان للناقد الْحَذِقِ أنَّ أبَا صَالِحٍ صدوق فِي نفسه، عالم بأحاديث اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، إذ كان كاتبه على الغلات، وأنه لا يتعمد الكذب ولا الخطأ، وإنما ابتلِي برجل سوءٍ أدخل فِى كتبه ما ليس من حديثه. فمثله لا يعجز جهابذة النُّقَّاد كيحيى بن معين، والبخارِيِّ عن سبر رواياته، وانتقاء الصحيح منها.
ولذا روى له إمام المحدِّثين فِِى ((صَحِيحِهِ)) من روايته عن اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ومُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِح انتقاءً لصحيح حديثه عنهما، مجانباً تلك المناكير التى وقعت له فى روايته عن غيرهما من المشاهير، كما اعتمد فِي مَوَاضِعَ كَثِيرةٍ مِنْ ((صَحِيحِهِ)) على نسخته فِي التفسير، والتِي يرويها ((عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَةَ عَنْ اِبْن عَبَّاسٍ)). والتِي قال عنها الإمامُ أَحْمَدُ: بِمِصْرَ صَحِيفَةٌ فِي التَّفْسِيرِ، رَوَاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، لَوْ رَحَلَ رَجُلٌ فِيهَا إِلَى مِصْرَ قَاصِداً مَا كَانَ كَثِيراً.
ولذا قال الحافظ الجهبذ ((هدي السَّارِي)) (1/ 414): ((ظاهر كلام الأئمَّة فِي أبِى صَالِحٍ أن حديثَه في الأوَّل كان مستقيماً، ثم طرأ عليه فيه تخليطٌ، فمقتضى ذلك: أن ما يجئ من روايته عن أهل الحذق كيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، والْبخَارِيُّ، وأَبِى زُرْعَةَ، وَأَبِى حَاتِمٍ فهو من صحيح حديثه، وما يجئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه)) اهـ.
وهذا التعليل الفائق الصحَّة مستغنٍ بوضوحه عن بيان دلالته عند من له إلمام، ولو يسير بمعارف أهل الجرح والتعديل، ومن خالف وجه دلالته فليس له معرفة بأصول هذا العلم الدَّقيق من علوم الشريعة.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[21 - 05 - 05, 11:51 ص]ـ
وأما هذا الحديث فهو من منكرات مصعب كما نص أهل العلم
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[21 - 05 - 05, 05:06 م]ـ
الشيخ الموفَّق / محمد الأمين حفظه الله وأيَّده بالتوفيق.
المذكور آنفاً، كالتَّوطئة والتَّمهيد لما أردناه من بسط حال مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ الْعَبْدَرِيِّ الْحَجَبِيِّ، والاعتذار عن إمام محدِّثِي نيسابور: أبِي الْحُسَيْنِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ فِى تخريجه لجملة من أحاديثِهِ فِي ((الصَّحِيحِ)).
فَسَبِيلُ إمامِ نيسابور فِى تَفَرُّدِهِ بالتَّخريج لِمُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ الْحَجَبِِيِّ، كنحو سَبِيلِ إمام الْمُحَدِّثِينَ فِي تَفَرُّدِهِ بالتَّخريج لأبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِِيِّ، كلاهما ينتقِي من أحاديثهما الصَّحيحَ، ويجانب المناكير والغرائب والضِّعاف، ولكلٍّ منهما أحاديث صالحة لا مَطْعَنَ عليها، إلا من جهة إطلاق الضَّعف عليهما.
¥