وقال الشيخ سليمان بن علي (15) " المرمى الذي يترتب عليه الأحكام هو الأرض المحيطة بالميل المبني، ولم أقف على حد ذلك هل هو ذراع أو أكثر أو أقل ... والذي يظهر لي ـ والله ـ أعلم أن المرمى منها الأرض التي في أصل البناء مما يلي بطن الوادي فلو رمى ظهرها لا يعتد به " (16)
وجاء في رسالة " الأنهار الأربعة في مرمى جمرة العقبة " (17) أن: الزحمة التي عند جمرة العقبة يلزم إزالتها بوضع شباك حواليها، ـ ونقل اتفاق جمع من العلماء على أنه يجب إزالة الزحمة بالشباك ـ فأحدث في آخر شهر ذي القعدة من شهور السنة إحدى وتسعين ومائتين وألف شباك حديدي، والحامل لهم على ذلك دفع معظم زحمة الرامين لجمرة العقبة، لا لتحديد ذات المرمى، ... قال الشيخ عبد الله البسام وقد اعترض على إحداث هذا الشباك بعض العلماء، وأشدهم إنكاراً له الشيخ علي باصبرين (18)، عالم مدينة جدة في زمنه فقال في رسالة له: إن المقصود من وضع ذاك الشباك رفع معظم زحمة الرامين، وهو حسن غير أنه بالتحويط بذلك الشباك وعلى ما يعتبر فيه الرمي ومالا يعتبر يحصل إيهام العوام، فيتوهمون أن جميع ما أحاط بذلك مرمى، وليس الأمر كذلك، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكان يتعين على فاعلي ذلك الشباك بالقصد الحسن أن يتداركوا رفع إيهام المفسدة الشرعية بأحد أمرين:
أحدهما: إحداث شباك ثان من حديد، يكون بقدر منصوص المرمى المتفق عليه، في عرض أساس العلم المبني، والثلاثة الأذرع معتبرة من أساس ظاهر العلم إلى جهة الوادي.
الثاني: وضع دكة مرتفعة على المرمى الذكور بخصوصه ليميز من غيره مما أحاط بالشباك الحادث من الأرض التي لا يجزئ الرمي فيها، وإما بإزالة هذا الشباك الحادث الموهم ..
وذكر الشيخ عبد الله البسام أنه بعد مناقشة طالت أزيل وأحدث بدله بناء أحواض حول مار الثلاث، وذلك في السنة التي بعدها وهي سنة إثنبن وتسعين و مائتين وألف وقال الشيخ البسام: ويظهر لي من الرسالة والبحث والمناقشة أن أحواض الجمار لما بنيت عام (1292هـ) بنيت بشكل واسع، ثم اختصرت أحواضها على ما هي عليه الآن. (19)
ويتضح مما سبق ما يلي:
1ـ أن مرمى الجمار غير محاط ببناء، وأن الناس كانوا يرمون الحصى قريباً من الشاخص.
2ـ أنه ليس هناك مساحة محددة للمرمى، ولذلك اختلف العلماء في تقديرها.
3ـ أن اعتراض الشيخ علي باصبرين على وضع الشباك لأنه يرى أن الرمي لا يجوز فيما زاد على ثلاثة أذرع، وذلك أنه شافعي المذهب، والمتأخرون من الشافعية حددوه بهذا المقدار.
4ـ أن الأحواض لما بنيت عام (1292هـ) بنيت بشكل واسع ثم اختصرت أحواضها على ما هي عليه الآن، ولعل اختصارها
عملاً بما ذهب إليه المتأخرون من علماء الشافعية، جاء في منسك " دليل الطريق لحجاج بيت الله العتيق " المرمى هو المحل المبني فيه العلم أي العمود، وضبطه بثلاثة أذرع من جميع جوانبه، وقد حوط الآن على هذا المقدار بجدار قصير فالرمي يكون داخله، ـ وهذا في غير جمرة العقبة ـ وعليه دائرة أمامه، فالرمي يكون في وسط الدائرة تحتها. (20)
ويظهر لي ـ والله أعلم ـ أن بناء الأحواض بشكل واسع بناءً على رأي بعض العلماء في ذلك الوقت، ثم ضيقت بناء على رأي بعض علماء الشافعية، وسداً لباب الخلاف، علماً بأن الحجاج في ذلك الوقت عددهم قليل، وليس هناك حاجة لتوسيع المرمى فاكتفي به على هذا المقدار.
المسألة الثانية: حكم توسعة أحواض الحجرات:
سبق أن ذكرت أن أحواض الحجرات الموجودة لم تكن موجودة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنها أحدثت بعد عام ألف ومائتين واثنين وتسعين (292هـ) بعد مشاورة الفقهاء واتفاقهم على ذلك، ولذلك فإن الذين وضعوها قدروا الحاجة في ذلك الوقت في زمن كان عدد الحجاج فيه قليل، والحجاج لا توجد لديهم وسائل نقل غير الإبل والحمير، ومنهم من يمشي على رجليه، ولا يصلون إلى منطقة الحجرات دفعة واحدة مع قلة عددهم، وأما الآن فإن عدد الحجاج يقارب المليونين وأكثرهم يركبون السيارات ووصولهم إلى منطقة الحجرات يكاد يكون متقارباً، ولذا فلابد من النظر في حكم توسعة الحجرات.
وقد بحث بعض العلماء المعاصرين من هيئة كبار العلماء هذه المسألة وقرروا عدم جواز بناء حوض خارجي أوسع من الحالي لأمرين.
¥