تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(التكملة، اللهم يسر و أعن):

6 - والنطفة هي المني، وهو ماء الرجل، والعلقة هي الدم الجامد، وهي ما ينتج عن اختلاط ماء الرجل وماء المرأة؛ قال تعالى: " إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج". (سورة الإنسان:3) والأمشاج الأخلاط؛ قال الفراء: أمشاج: أخلاط ماء الرجل وماء المرأة،والدم والعلقة (الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ص 6911، ط. دار الشعب، بالقاهرة).والمضغة لحمة قليلة قدر ما يمضغ. وهذه الأطوار أربعة أشهر، قال ابن عباس: وفي العشر بعد الأشهر الأربعة ينفخ فيه الروح؛ حكاه القرطبي. (المصدر السابق، ص 4398) وفي الصحيح عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح " الحديث. (رواه البخاري و مسلم) والآية والحديث ونحوهما كثير نص صريح

صحيح في أن الجسد - والأعضاء- أصله الماء في الخلق والتكوين. والجسد - والأعضاء - أصله الماء في الحكم أيضاً؛ إذ الماء أعضاء بالمآل (لحم الأعضاء آخر أطوار خلق النطفة؛ كماهو الترتيب في الآية).

وعلى ذلك فزرع أعضاء الغير في الجسد خلط للأنساب؛ لأن " النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع "؛ قاله ابن العربي (الجامع لأحكام القرآن، ص 4775). وإدخال ما أصله ماء الغير؛ وهو العضو المزروع المتكون من خلط ماء رجل وامرأة غريبين في تكوين جسد آخر متكون بدوره من خلط ماء رجل وامرأة آخرين؛ هو خلط للأنساب بلا ريب على غير وجه الشرع؛ فلا يجوز.

7 - و ما تكشف للعلم الحديث يفسر ذلك؛ إذ كل خلية من خلايا الجسد الواحد لها نفس الصفات الوراثية، أو ما يسمى بالبصمة الوراثية وذلك للاشتراك في نفس المورثات " الجينات " التي يحملها الحمض النووي d.n.a..( د. ن.أ) الذي يدخل في تركيب كل خلية، وبتحليله يتم التعرف على أي شخص أو كائن حي من خلال أي خلية ولو شعرة رأس عالقة بفرشاة، ناهيك عن عضو بأكمله به بلايين الخلايا المتماثلة التركيب الوراثي، وإدخال أعضاء تحمل خلاياها تركيباً وراثياً خاصاً إلى جسد له تركيبه الوراثي الخاص به فيه خلط لتلك " المورثات " بعضها ببعض، ليس في كل خلية من خلايا ذلك الجسد، و إنما في تكوين ذلك الجسد بالتواجد في عضو من أعضائه المكونة له، وهذا حقيقة خلط الأنساب، وذلك الخلط يحدث عند الزواج في جسد المولود، بينما الخلط الذي يحدث في زرع الأعضاء يتم في جسد المنقول إليه، وهو على غير وجه الشرع؛ فلا يجوز.

8 - واختلاط الأنساب؛ باختلاط " المورثات " حقيقة علمية – أكدتها الدراسات والأبحاث المعتبرة في شأن نقل وزرع الأعضاء – بين مانح العضو والمتلقي له؛ ولذا اشترطت الحكومة البريطانية عدم الإنجاب على من سينقل إليه عضو خنزير مهما تكن الأسباب. (صحيفة " الأهرام " 26/ 10/1999).

وقد قيل في الصحف أن الهدف من وراء ذلك هو منع انتقال فيروسات الأمراض من الخنزير إلى الإنسان. ولا يخفى تهافت ذلك، فانتقال تلك الفيروسات يتم بمجرد النقل، ولكن مفهوم اشتراط عدم الإنجاب هو: الخشية من اختلاط "المورثات" بين الخنزير والإنسان، وهو ما يعني اختلاط الأنساب بينهما، ومولد " الخنزو-إنسان"! وتلك مصيبة ما بعدها مصيبة.

ومصيبة أيضاً اختلاط الأنساب بين البشر على غير وجه الشرع؛ إذ هي علة من علل تحريم الزنا، وهي علة تحريم التبني أيضاً، وتحريم ادعاء الولد لغير أبيه، وكل ذلك من الكبائر، فيلحق بهم في الإثم زرع الأعضاء.

9 - وهذا على تقدير صحة القول بحرمة ما يسمى ب" نقل و زراعة الأعضاء البشرية "،

... أما على تقدير صحة القول بإباحته فمؤداه و مقتضاه: القول بنشأة قرابات جديدة، و هو ما سأله صاحب السؤال المتقدم ذكره، وما يستتبعها من أحكام تتعلق بالزواج، و النسب و الميراث، و المحرمية، و الخلوة، و غير ذلك من أحكام غفل عن بيانها المبيحون لذلك الزرع لأعضاء آدمي في جسد إنسان غيره.

مع التذكير بأن الرضاع المعتبر، هوالمؤدي و المنبت للحم– للحديث (2059 حدثنا عبد السلام بن مطهر أن سليمان بن المغيرة حدثهم عن أبي موسى عن أبيه عن ا بن لعبد الله بن مسعود عن بن مسعود قال: {لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم}، فقال أبو موسى لا تسألونا وهذاالحبر بينكم. 2060 حدثنا محمد بن سليمان الدفع ثنا وكيع عن سليمان بن المغيرة عن أبي موسى الهلالي عن أبيه عن بن مسعود عن النبي وقال: " أنشز العظم ". (أبو داود 2/ 222) _ وهو يثبت نسبا شرعا و إجماعا (مع ما له من أحكام)، فإدخال ذات اللحم في الجسد – بطريق زراعة اعضاء جسد الغير – ألا يثبت نسبا كذلك، بطريق الأولى؟؟.

10 – والذي لا شك فيه أن إدخال عضو غريب عن الجسد، به ملايين بل بلايين الخلايا – التي تحتوي كل منها على المادة الوراثية و كذا الصفات الوراثية الخاصة بالشخص المنقول منه ذلك العضو – إلى جسد آخر إنما يمثل إدخال تلك المواد والأجزاء الوراثية في تكوين ذلك الجسد.

و الذي لا شك فيه أيضا أن تلك المواد و الأجزاء الوراثية للشخص المأخوذ منه العضو انتقلت إليه و ورثها عن والديه معا، بطريق إخصاب ماء أبيه (الحيوان المنوي) لماء أمه (البييضة) عند التناسل، بالزواج.

و الذي لا شك فيه إطلاقا أن إدخال ما ليس أصله من ماء الوالدين – وهو العضو المزروع، و المتكون من ماء رجل و امرأة غريبين – في تكوين الجسد – المتكون من ماء الأب و الأم – هو خلط للأنساب المذكورة.

فإن كان الفعل – نقل الأعضاء – مباحا، نشأت صلة قربى جديدة، وكان لها أحكامها المتعلقة بها،

و إن كان الفعل – نقل الأعضاء – محرما، كان شبه زنا، من جهة اختلاط الأنساب.

هذا و الله تعالى أعلم.

فما قولكم في ذلك؟

أفيدونا أفادكم الله.

كتبه

د. أبو بكر عبد الستار خليل

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير