وهذه نص عليها من كتب في آلية ونظام الأسواق المالية؛ فقد قال الدكتور منير هندي: «أما إذا ارتفعت القيمة السوقية للأوراق المالية محل الصفقة، فحينئذ يحق للعميل إما سحب جزء من القيمة التي سبق دفعها من أمواله الخاصة، أو زيادة مشترياته من الأوراق محل الصفقة» (10).
وفي كِلا الحالين يكون ملكه رجع إليه، وهذا التصرف وقع بإذن من المرتهن فلا بأس بذلك.
الثالثة: وقد يقال: إن هذا السحب يكيف بأنه قرض من السمسار للمستثمر، ويكون الرهن الموجود رهناً بالدينْين الأول والثاني.
والذي يظهر أن هذا التكييف لا يستقيم لأمور:
أولاً: أن المعروف في نظام السوق أن هذا السحب إنما هو استرجاع لما دفعه المستثمر سابقاً.
ثانياً: أن هذا السحب لا يكون إلا عند زيادة القيمة الاسمية للأوراق محل الصفقة، وما ذلك إلا لأن صفقته ربحت؛ فهو يستحق أن يأخذ الربح وهذا من ربحه.
ثالثاً: أن السمسار عندما رهن هذه الأسهم اشترط أن ما تدره من أرباح فهي له، فيقابل ذلك أنه إذا ارتفعت قيمتها فإن للمستثمر أن يسترجع ما دفعه مسبقاً؛ فهذه بتلك.
رابعاً: أننا لو خرجنا السحب النقدي على القرض فإنه سيطرأ على المعاملة الفساد؛ لأن الانتفاع بالرهن مقابل القرض محرم ولا يجوز، وقد سبق بيان هذه المسألة، فتصحيح العقود أوْلى من إفسادها.
المقصد الثاني: شراء أسهم جديدة.
وهذا هو التصرف الثاني المتاح للمستثمر أثناء ارتفاع القيمة السوقية لأسهمه.
وشراء الأسهم إما أن يكون نقداً بالكامل أو يكون بالهامش، وكلا الأمرين سبق الكلام عنهما.
فالشراء بالهامش إن كانت الأسهم غير مملوكة للسمسار فالعقد عقد قرض، ولا بأس برهن الأسهم محل الصفقة بشرط أن لا ينتفع السمسار بالرهن؛ لأجل ألا يكون قرضاً جر نفعاً.
وإن كانت الأسهم مملوكة للسمسار، فالعقد عقد بيع، وأما رهن الأسهم ففيه تفصيل:
فإن كانت الصفقة الثانية مستقلة عن الأولى، فلها حكم الصفقة الأولى جملة وتفصيلاً.
أما إن كانت الصفقة الثانية غير مستقلة عن الأولى، أي أن الرهن في الصفقة الأولى يكون رهناً كذلك في الصفقة الثانية، فهذه الصورة تُخرج على مسألة ذكرها الفقهاء وهي:
الزيادة في دَيْن الرهن، والمراد بذلك: «أن يقول الراهن للمرتهن: زدني مالاً يكون الرهن الذي عندك رهناً به وبالدين الأول» (1).
ومثاله: أن يقترض منه (1000) ريال، ومن ثم يرهنه ساعة وأقبضها إياه، ثم اقترض منه (1000) ريال أخرى، وجعل الساعة رهناً بالدينيْن.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: عدم جواز الزيادة في الديْن.
وهو مذهب الحنفية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
أنها عين مرهونة، فلم يجز رهنها بدين آخر؛ لأن الرهن اشتغل بالدين الأول والمشغول لا يشغل (5).
ويناقش:
أن هذا الاشتغال لا محذور فيه شرعاً، إنما هو زيادة استيثاق، والعقود مبناها على الرضى، فإذا رضيا بذلك وكان لهما فيه مصلحة فلا يمنع من ذلك.
القول الثاني: جواز الزيادة في الديْن.
وهو مذهب المالكية (6) وبه قال أبو يوسف من الحنفية (7).
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
عموم قوله ـ تعالى ـ: {وَإن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، حيث جاء الأمر في الآية بالرهن، من غير أن يخص ذلك بكون الرهن غير مرهون بدين آخر.
الدليل الثاني:
أن الرهن في مقابلة الديْن؛ فلما جاز أن يزاد في الدين الواحد رهناً على رهن، جاز أن يزاد في الرهن الواحد ديْناً على دين (8).
الترجيح:
الذي يترجح ـ والله أعلم ـ هو القول الثاني؛ وذلك لقوة أدلته، ولأن الأصل في العقود الصحة، ولم يَرِد دليل صريح على المنع، ولا يترتب على القول به محظور شرعي.
الفرع الثاني: التصرفات المصاحبة لانخفاض القيمة السوقية للأسهم محل الصفقة.
لو فرض أن مستثمراً أراد شراء ألف سهم بسعر (100 ريال) للسهم الواحد، فإن عليه إيداع مبلغ (50 ألف ريال (في حسابه ويقوم السمسار بإقراضه (50 ألف ريال (أخرى ليتمكن من شراء كامل الأسهم المطلوبة.
وسبق في المطلب الأول أن هناك هامشين يتعامل بهما في السوق:
هامشاً مبدئياً: وهو المبلغ النقدي المدفوع ويمثل نسبة 50% من قيمة الصفقة.
¥