ومن ثَم فإن الصورة الثالثة من الشراء بالهامش تكون جائزة ولا بأس فيها؛ لأن الراهن قد أذن للمرتهن أن ينتفع بالرهن، ولأن سبب الرهن هو البيع وليس القرض.
فإذا كانت هذه الصورة الوحيدة الجائزة من الشراء بالهامش فإنه قد يصاحبها بعض التصرفات من السمسار والعميل عندما ترتفع قيمة الأسهم محل الصفقة، أو عندما تقل عن هامش الوقاية الذي سبق بيانه في المبحث الأول، وذكرنا أن القيمة السوقية للأسهم لا تخلو من أربعة أحوال، ويهمنا منها حالتان وهما المؤثرتان في التصرفات، والحالتان هما:
الحال الأولى: ارتفاع القيمة السوقية للأسهم محل الصفقة.
الحال الثانية: انخفاض القيمة السوقية للأسهم محل الصفقة.
وفي كل من الحالتين يخير العميل بأنواع من التصرفات، وهذه التصرفات منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، وبيان ذلك في المطلب القادم.
المطلب الثاني: أحكام التصرفات المصاحبة للشراء بالهامش أثناء ارتفاع وانخفاض القيمة السوقية للأسهم محل الصفقة.
وفيه فرعان:
الفرع الأول: التصرفات المصاحبة لارتفاع القيمة السوقية للأسهم محل الصفقة.
ولإيضاح هذه الصورة نضرب مثالاً:
لو فرض أن مستثمراً أراد شراء ألف سهم بسعر (100 ريال) للسهم الواحد، فإن عليه إيداع مبلغ (50 ألف ريال) في حسابه ويقوم السمسار بإقراضه (50 ألف ريال (أخرى ليتمكن من شراء كامل الأسهم المطلوبة.
فلو ارتفعت القيمة السوقية فأصبحت (120 ريالاً (للسهم الواحد، فإن القيمة السوقية لجميع الصفقة ستكون (120 ألف ريال). فيلاحظ هنا أن المستثمر ربح (20 ألف ريال).
وما سبق ذكره يظهر في الشكل الآتي:
وفي هذه الحالة، يخير العميل بين تصرفين:
الأول: سحب جزء من القيمة المدفوعة مسبقاً.
الثاني: شراء أسهم جديدة.
وبيان ذلك في المقصدين الآتيين:
المقصد الأول: سحب جزء من القيمة المدفوعة مسبقاً.
فالمستثمر عندما ترتفع قيمة أسهمه يقوم بسحب جزء من المبلغ المرهون لدى السمسار، يتصرف فيه بما شاء، بشرط أن يكون المبلغ المتبقي بعد السحب لا يقل عن الهامش الفعلي للصفقة.
فهنا مسألتان نحتاج إلى تكييفهما:
الأولى: تكييف هذه الزيادة.
الثانية: تكييف السحب النقدي.
المسألة الأولى: تكييف الزيادة النقدية.
في المثال السابق كانت قيمة الأسهم المرهونة (100 ألف ريال)، ولكن ارتفعت قيمتها فأصبحت تساوي (120 ألف ريال).
فالزيادة الحاصلة وهي (20 ألف ريال) تحتمل أحد تخريجين:
التخريج الأول: أن تكون زيادة في الرهن من قِبَل الراهن.
وصورة ذلك كما قال البهوتي: «(وتجوز الزيادة) فيه أي في الرهن بأن رهنه عبداً بمائة، ثم رهنه عليها ثوباً؛ لأنه زيادة استيثاق» (1).
وقد ذكر ابن المنذر إجماع الفقهاء على جواز الزيادة في الرهن. قال ـ رحمه الله ـ: «وأجمعوا على أن للراهن أن يزيد المرتهن رهناً مع رهنه أو رهوناً» (2).
ونَقْلُ الإجماع في هذه المسألة فيه نظر؛ فقد خالف في هذه المسألة زُفَر من الحنفية (3)، وبعض الحنابلة وقالوا بعدم الجواز (4).
ولكن ذهب جماهير أهل العلم من الحنفية (5)، والمالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8) إلى جواز الزيادة في الرهن ..
واستدلوا:
بأن الرهن الثاني إنما هو زيادة استيثاق، فصحت الزيادة، كما لو رهنهما معاً (9).
التخريج الثاني: أن تكون الزيادة من نماء الرهن.
ونماء الرهن لا يخلو من أمرين:
الأول: أن يكون متصلاً كالسِّمَن، وتعلُّم الصنعة، وكبر الشجر.
الثاني: أن يكون منفصلاً كالولد، والثمرة، والصوف، ونحو ذلك.
والنماء سواء كان متصلاً أم منفصلاً فهو ملك للراهن.
فهذه الزيادة في قيمة الأسهم سواء قلنا إنها متصلة أم منفصلة فهي ملك للراهن.
والذي يظهر للباحث أن التخريج الثاني أحسن من التخريج الأول؛ لأن الزيادة هنا تابعة للأصل غير منفكة.
المسألة الثانية: تكييف السحب النقد:
يحتمل في هذا السحب أن يُخرج على ثلاث مسائل:
الأولى: أنه استرجاع لنماء رهنه.
فما يسحبه المستثمر من نقد إنما هو نماء رهنه، ومن ثَم كأنه استرجع جزءاً من رهنه.
الثانية: أنه استرجاع لجزء مما دفعه سابقاً.
¥