ان هناك من اعتقد أن إطالة الشعر محرمة مع أن أهل العلم تفاوتوا في بيان الحكم الشرعي وان القول الصحيح في هذه المسألة عند عامة أهل العلم.
إن إبقاء الشعر مع تكريمه والعناية به أفضل من حلقه بل وذموا من أعتقد أن الحلق أفضل وعدوه جاهلاً بمعرفة أحكام الشرع، بل قال شيخ الإسلام عن حلق شعر الرأس في غير الحج والعمرة ما يلي (لا نزاع بين علماء المسلمين وأئمة الدين أن ذلك لا يشرع ولا يستحب، ولا هو من سبيل الله وطريقه، ولا من الزهد المشروع للمسلمين، ولا مما أثنى الله به على أحد من الفقراء.
ومع هذا فقد اتخذه طوائف من النساك الفقراء الصوفية ديناً حتى جعلوه شعاراً وعلامة على أهل الدين والنسك والخير والتوبة والسلوك إلى الله المشير إلى الفقر والصوفية، حتى ان من لم يفعل ذلك يكون منقوصاً عندهم، خارجاً عن الطريقة المفضلة المحمودة عندهم ومن فعل ذلك دخل في هديهم وطريقتهم، وهذا ضلال عن طريق الله وسبيله باتفاق المسلمين، واتخاذ ذلك ديناً وشعاراً لأهل الدين من أسباب تبديل الدين، بل وجعله علامة على المروق من الدين أقرب) (1).
وهنا يذم شيخ الإسلام - رحمه الله - ما يظنه بعض الناس أن في حلق شعر الرأس فضيلة أو أنه من علامات التقى والصلاح لما جاء في الحديث الصحيح بأن اعتبار الحلق علامة من علامات أهل التقى والصلاح منهجاً عند الخوارج لا عند أهل السنة وسمة من سمات الخوارج وصفة من صفاتهم لا من صفات أهل الإسلام ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صفات الخوارج وسيماهم قال: (سيماهم التحليق) (2).
وكذا قول عمر رضي الله عنه لصبيغ بن عسل - وهو أحد المبتدعة - لما كشف رأسه فوجده غير محلوق (لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك) فعمر -رضي الله عنه - ظن أن صبيغ بصفته أحد المبتدعة قد حلق شعره فهدده أن حلق شعره فسيضربه عمر (3).
ولأن من اعتقد أن في الحلق في غير الحج والعمرة فضيلة فقد تشبه في هؤلاء المبتدعة، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من التشبه بهم بقوله: (من تشبه بقوم فهو منهم) (4).
أما من حلق شعر رأسه من أجل (حجامة) أو من باب العادة أو لعدم قدرته على العناية بشعره أو لوجود الهوام في رأسه مثل القمل وغيره وليس ذلك عن اعتقاد تقوى وصلاح فليس في ذلك بأس عند جماهير أهل العلم ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى صبياً حُلِّق بعض رأسه وترك البعض فنهى وليه وقال: (احلقوا كله أو اتركوا كله) (5).
لذا قال الشوكاني في (النيل) وفي هذا دليل على جواز حلق الرأس جميعه (6).
ويلاحظ هنا أن أهل العلم يرون الأصل إبقاء الشعر والحلق مباح غير مستحب والمقصود هنا الحلق الكلي لا التخفيف والتقصير قال الإمام أحمد - رحمه الله: إبقاء الشعر سنة؛ لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومؤونة (7).
وهنا يعلن إمام أهل السنة بأنه يتمنى أن يبقي شعره لو كان يملك الوقت الذي يعينه على أداء حق الشعر ومتطلبات إطالته وقد استشهد مجدد الدعوة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - بمقولة الإمام أحمد هذه (8).
وقال الإمام عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب عليهما رحمة الله (ولم نقل أن الحلق مسنون، فضلاً عن أن يكون واجباً) (9).
وقد استدل هؤلاء العلماء على أفضلية إبقاء الشعر بعدد من الأدلة منها:
أ - انه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلق شعره إلا في الحج والعمرة (10)، ولا شك بأن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل.
ب - ورد بأن شعره صلى الله عليه وسلم يبلغ شحمة أذنيه لما روى البراء بن عازب عندما وصف صلى الله عليه وسلم بقوله: (وله شعر يبلغ شحمة أذنيه) (11)، وفي رواية عند مسلم: (عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه) (12).
والجمة: هي الكثيرة والمقصود هنا أن شعر رأس الرسول صلى الله عليه وسلم كان كثيفاً بل كان في بعض الحالات يسقط على المنكبين من كثافته وطوله، والمنكبان الكتفان.
ج - انه من صفات الأنبياء والرسل ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفة عيسى حيث قال: (وأراني الليلة عند الكعبة في المنام فإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من آدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماءً واضعاً يديه على منكبي رجلين، وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا المسيح بن مريم) (13).
¥