تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عاد ابن العربي من المشرق إلى إشبيلية بثروة علمية هائلة، وكانت حصيلته العلمية داخل الأندلس وخارجها، وقد جمع بين المعارف وتكلم في أنواعها، وحرص على أدائها ونشرها، وتمييز صحيحها من سقيمها بما تحصله من معرفة المذاهب الأربعة، والتبحر في العلوم الاثني عشر من علوم الشريعة، والعارضة الكبيرة التي امتلكها نتيجة معاشرته مختلف المذاهب وأربابها.

ثم استقضي بإشبيلية فقام بهذه المهمة أجمل قيام، وكان من أهل الصرامة في الحق والشدة والقوة على الظالمين، والرفق بالمساكين، ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم.

تآليفه:

ترك المترجم تآليف سارت بها الركبان، تميزت بوسع الاطلاع، وعمق التفكير، وقوة العارضة، ورجحان الحجة، والمناظرة والبحث، ومن أبرزها:

1 - "أنوار الفجر" في التفسير، أتمه في ثمانين ألف ورقة.

2 - "أحكام القرآن" في التفسير كذلك.

3 - "الناسخ والمنسوخ".

4 - "القبس شرح موطأ مالك بن أنس".

5 - "عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي".

... وغير ذلك من المؤلفات الكثيرة والتي طبع العديد منها.

تلامذته:

أخذ عنه جمهور من أعلام الأندلس والمغرب، وأثنوا عليه وعلى علمه وكفاءته، منهم: ابنه القاضي محمد، والقاضي عياض بن موسى اليحصبي، وأبو زيد السهيلي، وأحمد ابن خلف الطلاعي، وعبد الرحمن بن ربيع الأشعري، والقاضي أبو الحسن الخلعي ... وغيرهم.

وفاته:

توفي – رحمه الله تعالى - في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة منصرفه من مراكش، وحمل إلى فاس حيث دفن فيها.

الفصل الأول: منهج القاضي ابن العربي في الاستنباط الفقهي

يعتبر القاضي أبو بكر ابن العربي – رحمه الله – السنة هي المصدر الثاني من مصادر الإسلام، كما جميع علماء الأصول، والسنة والقرآن وحيين، إلا أن السنة وحي غير متلو والقرآن وحي متلو، وقد أكد هذا في مواضع كثيرة من تفسيره (2).

وتمسك ابن العربي بالصحيح المتواتر والمشهور من السنة النبوية، والتزمه أصلا من أصول الأحكام والمسائل الشرعية، ودليلا من أدلتها.

ويأخذ ابن العربي بخبر الواحد إذا كان راويه عدلا، وخبر الواحد هو: الذي لم يتواتر ولم يشتهر عند التابعين ولا تابعيهم، ثم يعده أصلا من أصول الأحكام يلزم العمل به. قال رحمه الله: "وخبر الواحد عند المبتدعة باطل. قلنا: خبر الواحد أصل عظيم لا ينكره إلا زائغ، وقد أجمعت الصحابة على الرجوع إليه، وقد جمعناه في جزء" (3).

وهو – رحمه الله – يقرر الحديث، ويذكر رتبته، ثم يتحدث عن فقهه معللا وباحثا في الخلاف. فيحرر خلاف الصحابة أو التابعين، ثم دليل كل فريق، ثم يرجح الحكم النهائي في المسألة.

ومثال ذلك في تفسيره لآية: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. [البقرة/ 185]، قال:

"وفي "الصحيح" عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بن أبي سفيان بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيته؟. فقلت: ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟. قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فقلت له: أوَلا تكتفي برؤية معاوية؟. قال: لا؛ هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قال ابن العربي: "واختلف في تأويل قول ابن عباس هذا، فقيل: رده لأنه خبر واحد. وقيل: رده لأن الأقطار مختلفة في المطالع، وهو الصحيح، لأن كُريبا لم يشهد وإنما أخبر عن حكم ثبت بشهادة، ولا خلاف في أن الحكم الثابت بالشهادة يجزي فيه خبر الواحد" (4) ...

كما أن ابن العربي بحكم مالكيته، يلتزم في الاستنباط أصول المالكية؛ كالقرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والاستحسان، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة، وعمل أهل المدينة، وفتوى الصحابة، والعرف والعادة، واعتبار شرع من قبلنا.

فهذه الأصول شكلت في جملتها مصادر وأدلة الأحكام عنده، بحيث أقام عليها فروعه ومسائله الفقهية المختلفة.

وقد اتضح من واقع مؤلفاته ومناقشاته في كتبه صدق التزامه بهذه الأصول في الدلالة على الأحكام والقضايا الفقهية، بحيث جاءت وافية مؤدية الغرض المقصود. وبذلك كان ابن العربي – رحمه الله تعالى – مالكيا حقيقة في أصوله وفروعه، وإن كان يعد من مجتهدي المذهب (5).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير