تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قلت: في التحاكم لن يتمكن الحاكم من الحكم بحكم الله إلا إذا وافق حكم المذهب, والمتحاكم لن يكون متحاكما لحكم الله إلا بموافقته لحكم المذهب. فبماذا يفرق ذلك عن القانون المدني الدستوري؟

قيل لك: المذهب الملزم به في أصله مستمد من الشرع منقاد له راجع إليه, فالمتحاكم إليه في المذهب هو الله. وقد يخالف حكم الشرع - والمخالفة هنا في ذهن المجتهد الذي يراها مخالفة بناء على اجتهاده - متأولا أنه أصاب حكم الشرع أيضا, فالمدار على الشرع في كل الأحوال. فحتى عندما يخالف المذهب الشرع فهو بتأويل واعتقاد أنه وافق الشرع.

وعلى العكس من ذلك تماما القانون المدني, فهو في أصله مستمد من الدستور منقاد له راجع إليه, فالمتحاكم إليه في القانون هو الدستور. وقد يوافق الدستور حكم الشرع مصادفة لا انقيادا للشرع ونزولا عند حكمه, أو انقيادا للدستور الذي نص على اعتبار الشرع مصدرا من مصادر القوانين لا انقيادا لله الذي إليه الحكم وهو به متفرد. فحتى عندما يوافق القانون الشرع فهو بالرجوع والانقياد للدستور ابتداءً, فالطاعة الأصلية المقصودة هي للدستور, والطاعة التبعية هي للشرع, فأصبحت مشروعية الشرع تابعة للدستور مستمد منه, وبدون نص الدستور على اعتباره مصدرا لا يكون له أدنى مشروعية عند هؤلاء القانونيين.

ونحن بهذه المقارنة التي نظهر بها الفرق العظيم بين انحطاط القوانين عن المذاهب التي قد يلزم بعض الحكام بها لا ندعو للإلزام بالمذاهب, بل الواجب رد الأمر للشرع وعدم الاحتجاج بآراء العلماء, ولو كانت في أصلها مستمدة من الشرع منقادة إليه. ولكنا بهذه المقارنة نبين العدل الذي أمرنا الله به ونرفض الظلم الذي فيه تسوية بين المفترقات أعظم التفارق, وهي التسوية التي كثيرا ما يراد بها التهوين من شأن القوانين وأنها كمذاهب العلماء وآرائهم بحجة اشتراكها في أنها تخالف حكم الله في بعض الفروع, وقد أبنا أن تلك المخالفة في المذاهب تستند لتأويل أنها موافقة للشرع, فلا تخرج المجتهد عن كونها منقادا للشرع ولذلك يكون بين الأجر والأجرين, بينما المخالفة في القانون هي مشاقة للشرع ولا مبالاة بحكمه, والموافقة إنما هي للدستور أصالة والشرع يأتي تبعا مقيدا للدستور, تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

ـ[راشد بن عبد الرحمن البداح]ــــــــ[21 - 02 - 09, 06:02 م]ـ

استجابة لعرض أخي الشيخ أبي عبد الرحمن خالد بن عمر - وفقه الله - فإني أعد بكتابته خلال الايام القادمة - بإذن الله تعالى -.

ـ[أبو القاسم الحائلي]ــــــــ[22 - 02 - 09, 02:21 م]ـ

موضوع قيم فائدته كبيره

ـ[أبو فاطمة الحسني]ــــــــ[26 - 02 - 09, 10:23 ص]ـ

فرق آخر بين الإلزام بالمذهب والإلزام بتقنين:

المذهب ينسب لإمام من الأئمة وله أتباع يحررون القول المعتمد فيه, وهو بهذا يتميز بالثبات.

التقنين - ونتحدث هنا عن ما يسمى بتقنين الشريعة - ينسب لاجتهاد مجموعة من العلماء وربما بمشاركة بعض القانونيين, ويصبح ملزما عندما يتم التصديق عليه من قبل الجهة التي لها صلاحية التشريع المزعوم. فمشروعية ذلك التقنين ولزومه مكتسبة من ذلك التصديق - بغض النظر عن صورته وآليته تصويتا كانت أم توقيعا - , ومن ثم من جهة المآل سيكون عرضة للتبديل كل فترة حسب الظروف, لأن تلك الجهة لها حق تعديل القانون بشروط معينة, وفي بعض الدول يكون ذلك الحق عمليا شبه مطلق, ولا يكون التعديل في القانون عرضة للمسائلة والمناقشة, إلا في كواليس خفية مع ناس معينين يتميزون بالتسامح وضعف المعارضة وكثرة الموافقة, أو أنهم أصحاب توجهات مؤيدة لا ينتظر منهم إلا التأييد بحماس.

وبهذا ندخل في التدرج من تقنين يوصف بأنه شرعي إلى قانون وضعي. ففي البداية يكون الشعار المرفوع هو اختيار القول الراجح بالدليل, ثم ننتهي باختيار القول الأوفق للمصالح الدنيوية والضغوطات السياسية والرغبات وغير ذلك من الأمور, وآخر المطاف سيزول سراب الوهم وينكشف الغبار عن أن معاشر المقننين الجدد استغلوا كقنطرة لعبور القوانين الوضعية للمسلمين تحت غطاء شرعي مزعوم خدّاع.

إذا علم ذلك, يلوح للناظر فرق مهم بين الإلزام بمذهب والتقنين, فالإلزام بمذهب على سلبياته ورفضنا له, إلا أنه يتميز كما ذكرنا بالثبات - وسمه إن شئت جمودا. وهذه ليست ميزة في حد ذاتها, ولكنها ميزة من حيث عدم عرضته للتبديل والتحول التدريجي لقانون وضعي تلفيقي مناطُ وضعِه الأهواء والمرغبات والاستجابة للضغوطات. وبهذا تعلم أن المذهب الملزم به متبوع والواقع تابع له, بينما التقنين سيؤول به الأمر ليصبح تابعا والواقع متبوع.

ـ[أبو ممدوح]ــــــــ[06 - 03 - 09, 02:41 م]ـ

جزاك الله خيراً

ـ[أبو فاطمة الحسني]ــــــــ[15 - 03 - 09, 04:51 م]ـ

ويصبح ملزما عندما يتم التصديق عليه من قبل الجهة التي لها صلاحية التشريع المزعوم. فمشروعية ذلك التقنين ولزومه مكتسبة من ذلك التصديق

أقول احترازا عما قد يلبس: الجملة المذكورة أعلاه المقصود بها تصوير الواقع الذي تطرح في سياقه تلك المشاريع, وليس المقصود بها الموافقة على كون مشروعية أي شيء تستمد من غير حكم الله سبحانه وتعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير