من الذي يؤدي الجزية اليوم؟، نحن المسلمون. من الذي يؤدي الخراج؟، نحن المسلمون. مع الأسف، ومنذ قرون، لا أقول الآن، منذ الحكم العثماني ما عاد تؤدى الجزية، وما عاد تؤدى خراج. وفي أيام معاوية ابتدأ تغيير الأرض عما كانت عليه أيام الخلفاء الراشدين، وجاء عمر بن عبد العزيز الخليفة السادس الراشد، وكان حكمه العادل بين حكمين ظالمين، فماذا صنع؟.
أسس إدارة في أول مرة في تاريخ الإسلام وسماها: "إدارة رد المظالم"، فما يسمى اليوم باللغة الاشتراكية والشيوعية بالتأميم ومصادرة الأرض، سماه: رد المظالم. لأن التأميم في القانون: عبارة عن أخذ الأرض المعترف بملكيتها للمنفعة العامة، ولكن عمر سماها: مظالم، والمظالم لا بد أن ترد، ولا يعد أخذها تأميما لحق سابق، إنما رجوع حق مغصوب.
فماذا صنع عمر بن عبد العزيز؟.
أرجع الأرض كما كانت أيام عمر بن الخطاب والخلفاء الراشدين، أخذ المعادن كما كانت أيام عمر والخلفاء الراشدين، وابتدأ بزوجته فاطمة ابنة الخليفة الوليد، أخت الخليفة سليمان وزوجة الخليفة عمر بن عبد العزيز. وقال لها: "يا فاطمة؛ سآخذ ما بيدك من حلي، وما في عنقك وما في رجليك، وما تملكينه من أرض ومن عقار ومن مال، مال غصبه أبوك وجدك وأخواك من المسلمين، إن أنت أعطيتنيه راضية أنت زوجتي في الدنيا والآخرة، والمال مال المسلمين. وإن أنت امتنعت إلا أن آخذه قهرا؛ فمعاذ الله أن أقبل أن أتزوج زوجة تأبى إلا أن تغصب الناس حقوقهم". حتى وقد جاءها النذير، وقد جاءها الواعظ من زوجها ومن نفسها؛ قالت له: "أما وسأفقد المال والزوج؛ فيكفي أن أفقد المال، وحاجتي في الزوج شديدة".
فهو حكاية رد مظالم بلال، لو بقي الأمر كما أراد لفسد نظام الإسلام ونظام اقتصاده.
وعمر بن الخطاب كان – مضافا إلى أنه اختصاصي في الحكم والإدارة – فذا من الأفذاذ، علما من أعلام الكون، ومن عظمائهم في ذلك، وكان – أيضا – اختصاصيا في المال.
وجمْع فقه عمر في المال يكون فقها قائما بنفسه، ولقد أكرمت وجمعت ذلك فيما كنت ألقيته على الطلاب في جامعة دمشق في كلية الشريعة، وبعضهم قد تخرجوا، وهم هنا، وأصبحوا زملاء في الجامعات والتدريس فيها، وهذا ما يفخر به الأب والأستاذ. وأسميت ذلك: "الأموال: مصادرها ومواردها من القرآن والحديث"، فكان عمدتي في ذلك: عمر.
عمر كان يقول: "من أراد الحلال والحرام فعليه بمعاذ، ومن أراد القراءات فعليه بأبيْ، ومن أراد الفقه فعليه بأبي حذيفة، ومن أراد المال فإلي وعَلَي".
هو الذي يعطيه في حقه، وهو الذي يفتيه في حكمه، وهذا كان مذهب عمر في الخراج معروفا، وقد اختلف الصحابة في البداية، ثم أقنعهم عمر وأصبح إجماعا.
وكان له رأي في المال عجب، ختم أيامه قبل أن يموت بأشهر وقال: "لو عشت إلى قابل لآخذن أموال الأغنياء وقسمتها على فقراء المهاجرين".
عمر كان له رأي في أخريات أيامه أن فضول الأموال بعد الاكتفاء ينبغي أن تؤخذ للفقراء والمساكين، فعمر ما صنع شيئا أكثر من أنها فتنة ستشق دولة الإسلام.
يقول: "من حاول – أو من أراد – أن يخرج عن طاعة الإمام – أو طاعة المسلمين – وأمرهم جميع؛ فاقتلوه كائنا من كان".
عمر ماذا صنع في أول أمره؟، قيل له بعد أن طعن غيلة ومؤامرة: "استخلف يا عمر"، قال: "إن أستخلف فقد استخلف أبو بكر، وإن لم أستخلف فقد ترك الاستخلاف من هو خير من أبي بكر ومني"، يعني: رسول الله عليه الصلاة والسلام، "ولكنني أدع الأمر شورى بين ستة بات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض". وكان هؤلاء الستة من؟: طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، سعد بن أبي وقاص، عبد الرحمن بن عوف. وقال: "فليحضر ولدي عبد الله، ولا أمر له"، لا يشير ولا يستشار، لا ينتخب ولا يُنتخب. وكان الأمر كما يقال اليوم في المجامع الدولية: يحضر هذا المؤتمر ملاحظا مراقبا فقط.
وترك عبد الرحمن بن عوف قائما مقامه مدة من ثلاثة أيام، فكان أول قائم مقام منصب الخلافة من الناس، فترك له الحكم تلك الأيام الثلاثة، والإمامة بالناس والفصل بينهم، وأمره أن يحضر أولئك في البيت، ويمنعهم من الخروج لا جمعة ولا جماعات إلى أن يخرج الخليفة.
قال له: "انتح ستة؛ فإن اتفق ثلاثة وثلاثة فليرجح الثلاثة الذين انتقيتهم"، فجعل له حق صوتين باعتباره قرشيا، وكان أول من شرع ذلك في النظم الإدارية.
قال: "إن اتفق ثلاثة أنت فيهم وخالف الثلاثة الآخرون؛ فاقتلهم كائنا من كانوا، إن اتفق أربعة وخالف اثنان؛ فاقتلهما، إن اتفق خمسة وخالف سادس فاقتله"، من كان الذي سيقتل؟، علي بن أبي طالب، عثمان بن عفان، الستة الذين قال عنهم عمر بن الخطاب: "مات رسول الله وهو عنهم راض"؟، وعمن يفعل ذلك وهو يعلم ما يصنع أن في مصلحة المسلمين أن لا تشق عصاهم، وأن لا يقوم بينهم خلاف؟.
الخلاف في جماعة الإسلام شيء شديد، لا يعرف في قوانين الإسلام حكم بالموت والإعدام إلا لمجرد المحاولة في القيام على الحكم الإسلامي، والحاكم المسلم، أما غير ذلك فالمحاولة لا تعتبر محاولة تستحق القتل.
أما هذه؛ ففي الحديث الصحيح: "من أراد – ما قال: من فعل – أن يقوم على جماعة المسلمين، ويشق عصا طاعة الإمام، ويفرق جماعتهم، فاقتلوه كائنا من كان"، من أراد لم؟، كل المصائب التي أصابت المسلمين من الخلاف. المسلمون يعيشون اليوم في فتنة، وهذه الفتنة لو وجد لها لمن يشق عصا الطاعة من يريح المسلمين منه، ويفصل بين رأسه وجسده؛ لاستراح الناس.
ترك باسم الحرية الفاسدة، فصار الواحد اثنين، والاثنان عشرة، والعشرة آلافا وملايين، فخربت البلاد والعباد، واحتلت اليهودية – أذل شعوب الأرض – ديار المسلمين وعقر ديار العرب، واحتلت القبلة الأولى للمسلمين، وأصبحت على رمية حجر من مدينتنا هذه المقدسة، ومن الضريح المقدس، الضريح النبوي.
أبعد هذا نشفق على أي كان؟، ونقول: فلان كذا وفلان كذا مقامه محفوظ؟. أما من حكّمه سيف الإسلام فإلى رحمة الله، والإسلام لا بد أن يعيش أبدا ...
انتهت وبالخير عمت
¥