فالأقليات التي سأتحدث عنها اليوم إذا؛ الأقليات الدينية، واسمها الفني الإسلامي: أهل الذمة.
أهل الذمة في الإسلام: هي أقلية بقيت على دينها اليهودي أو النصراني أو المجوسي، الإسلام لم يجبرها على أن تسلم، وترك لها المجال أن تبقى على دينها ما دامت قد دخل الإسلام أرضها، وقد كانت بالغة سن الرشد.
وعلى ذلك؛ فالذمة في الإسلام – كما أفهمها وكما سأسوق لها النصوص الإسلامية، والشروح بهذه النصوص – هي ذمة مؤقتة، وأقلية مؤقتة، تنتهي بزمنها، ولا يبقى في العالم الإسلامي بعد قرن – إن طال الزمان وكثرت المدة – إلا مسلم، ليس في دولة الإسلام بعد الفتح بقطر أو شعب غير مسلم بعد مائة سنة في الأكثر، لا يبقى فيها غير مسلم وتزول تلك الأقليات جميعها، ولا يبقى إلا المسلمون.
وواقع حالنا – وبه أبتديء قبل أن أعود للنصوص كما فعلت في "خلود الإسلام" في شهر شعبان الماضي في نادينا الآخر – في الدولة النبوية: النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ بنفسه وفي حياته بإخراج يهود المدينة، فأخرج قبائل بني قينقاع واستصفى بني قريظة، وأخرج بني حارثة، وترك أهل خيبر لحاجته إليهم بعد أن أخذ أرضهم واتفق وإياهم على أن يعملوها بنصف فيما تنتج الأرض على أن الأرض لله ولرسوله وللمسلمين، ولأنهم سيبقون فيها ما أبقاهم المسلمون، وما وجد المسلمون مصلحة في بقائهم.
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوصى بإخراج اليهود والنصارى عن جزيرة العرب، وكانت كلها بلاد الإسلام إذذاك، ولم يخرج الإسلام إذذاك عن جزيرة العرب، ونعود بالنتيجة في ذلك إلى آخر ما سأقوله.
قامت خلافة أبي بكر، اشتغل أبو بكر في سنتيه رضوان الله عليه بحرب المرتدين، وبحرب من أرادوا أن يشوهوا أركان الإسلام ويحرفوها؛ فامتنعوا عن الزكاة، حق الإنسان على الإنسان، وما تم له الأمر فينتصر؛ حتى توفي رضوان الله عليه.
استلم الدولة عمر – رضي الله عنه – وإذا به في سنواته الأولى يخرج جميع يهود جزيرة العرب، وجميع نصارى جزيرة العرب، ولم يُبق فيها إلا مسلما، فعل ذلك تنفيذا للأمر النبوي، ولكن الخيار يبقى للخلفاء بعده عندما يرون المصلحة في إخراجهم، فرأى عمر أن المصلحة قد تمت في أيامه لإخراجهم.
جاءت دولة بني أمية، وكان أهل الذمة كثيرين في الشام – بعد أن فتحت – وفي العراق وفي مصر، وكان المسلمون إذذاك لا يستغنون عنهم؛ لأن المسلم كان يعتبر جنديا في الميدان أو جنديا احتياطيا فلا تستغني الدولة بقتاله وبحربه، فكانت الزراعة وما يحتاج إليه هذا الجندي ترك أولا في حياة الرسول ليهود المدينة ولنصارى نجران، وكانوا جميعا فلاحين. إلى أن رأى المسلمون أن المصلحة تقتضي الاستغناء عنهم وقد انتشر المسلمون في جميع جزيرة العرب، وأصبحت جزيرة العرب كلها مسلمة، فأمكن إذذاك أن يجاهد البعض ويزرع البعض.
أما بعد أن فتحت ديار الشام، ومصر، والعراق، وفارس ... وما إليها، كان المسلمون قلة، وكلهم جندا احتياطيا أو جندا في الميدان، فكانت الحاجة التي أبقت اليهود والنصارى أو بعضهم في حياة رسول الله وفي حياة أبي بكر، كانت ماسة جدا لإبقائهم إلى أن يحين الأوان.
حان الأوان في أيام عمر بن عبد العزيز، فخر بني أمية، والخليفة الراشد السادس، فنصر شروط عمر بن الخطاب، واستصفى الكنائس بمصر والعراق والشام، على أنها كانت شعارات هؤلاء الذميين وبدارها هيئ الجو، إما الموت، من سيموت بعد أن أدركه الإسلام بدارها، أو بإلزام من أدركه الإسلام صغيرا أن يعاود نفسه نفسه ويسلم.
ولكن الزمان لم يطل بعمر بن عبد العزيز وتوفي بعد سنتين، امتد الأمر إلى أن انتهت الدولة الأموية، وجاءت الدولة العباسية، فجاء هارون الرشيد، وأعاد لشروط عمر في عهدته المشهورة مع أهل الذمة، فأحياها، بأن استصفى ما حدث بعد عمر بن عبد العزيز من كنائس فهدمها وخربها، وأشعر أهل الذمة بأن البلاد بلاد المسلمين ولا يمكن أن يعيش فيها إلا مسلم حسب الأوامر النبوية، وحسب عهدة عمر التي لم تكن إلا تنفيذا للأوامر النبوية، ولما أجمع عليه الصحابة والتابعون، وأئمة الاجتهاد.
¥