تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هارون الرشيد كان ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا فرحمه الله وتاب عنه، ومعلوم أنه فعل في هذا المعنى ما لم يفعله من سبقه من ملوك بني العباس وخلفائهم. فعمل شيئا ولم يتمه، فجاء بعده المدة جعفر المتوكل، فحاول وحاول أن يتم ما أتمه، وابتدأ بما ابتدأ به هارون الرشيد، وأمضى كثيرا، ولكنه أخيرا أيضا مات وانتقل، فأصبحت دولة بني العباس كما قال شاعرها:

خليفة في قفص بين وصيف وبغا

يقول ما قال له كما تقول الببغا!

فلم يعد في إمكانهم بعد أن تمزقوا أحزابا وشيعا، وضعفت سلطة العرب في الخلافة، وأصبح الحكم للسلاجقة والدوالمة ... وما إليها من الآخرين.

وإذا بهذا المعنى يتجدد في المغرب الأقصا في العشرة الأخيرة من القرن الثاني على يد إدريس الحجازي المدني ابن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة رضي الله عنهم. المؤسس للدولة الإدريسية، وإذا به فعل ما فعل الخلفاء الراشدون في جزيرة العرب، ما فعل بها عمر بن عبد العزيز في الديار المشرقية، وما حاول أن يتمه هارون الرشيد أتمه بالكامل إدريس وسلالته في مدة كادت تقرب من قرنين.

فلما انتهت الدولة الإدريسية في المغرب – والمغرب إذا قلناه تطلق على المغارب الثلاثة: الأقصا، والأوسط، والأدنى، المغرب الأقصا: مراكش كما يحلو للبعض أن يسميها. والجزائر وتونس وليبيا اليوم.

هذه الديار جميعها لم تنته الدولة الإدريسية وتنقرض ويخلفها غيرها – والبقاء والدوام لله وحده – حتى لم يبق في المغرب بأقاليمه الأربعة إلا مسلم سني مالكي، لا أقليات دينية يهودية أو نصرانية أو مجوسية، وحتى الأقليات البدعية الضالة من خوارج وشيعة على أنواعها لم يعد هناك أحد منهم أبدا، كما نص على ذلك مؤرخنا ابن خلدون، وفقيهنا التسولي. ولم يكونا وحدهما من نص على ذلك، فأكثر المؤرخين قالوا ذلك، وأكثر فقهائنا قالوا ذلك.

وبقي الأمر على هذا الحال، يعيش المغرب دولة إسلامية موحدة عربية، ليس فيها إلا مسلم سني مالكي إلى القرن التاسع، وبالتحديد إلى سنة ثمانمائة وسبعة وتسعين، إلى اليوم أو الشهر الذي خرج المسلمون فيه من الأندلس إثر نزاعهم ومحاربتهم البعض، وابتعادهم عن الله وعن رسول الله، وأوامرهما، كما يحدث اليوم في ديار المسلمين قريبا منا.

في هذا الوقت؛ خرج مع المسلمين اليهود أيضا من الأندلس، وتكاثروا بما يكاد يقرب من مائة ألف، وعاشوا معنا إلى أواخر القرن الماضي، وفقهاؤنا يقولون، ومؤرخونا ينصون على أن يهود المغرب ليسوا أهل ذمة، وليس بينهم وبين المغرب أية معاهدة تصون وجودهم، أو حقوقهم التي يدعون، ولأي دولة ومسؤول جاء أن يسترقهم أو يقتلهم أو يأخذ أموالهم غنيمة، أو يطردهم، حسبما يرى في ذلك من المصلحة.

إلى أواخر القرن الماضي، أو أوائل هذا الذي نعيش فيه، جاءت جماعة من أمريكا، عندما أخذت اليهودية العالمية تنتشر، وحاولوا أن يأخذوا من الحسن الأول شبه اعتراف بأن يهود المغرب مغاربة، إلى أن بلغت وقاحة يهودي من يهود المغرب، وقد أعطي له من المكانة ما لا يستحقها، فحضر في مفاوضة "إكس ليبان" فقال أمام من فاوض الفرنسيين من زعماء المغرب: هم يهود المغرب أقدم جنسيات المغرب، وأن لهم في المغرب أكثر من ألفي سنة. وهذا كذب وزور.

ولكن إن كانت هنالك مسؤولية، فعلى من حضر من الزعماء المسلمين وكلهم كذلك، حيث سكتوا عنه، لا حين تحدث، ولا حين ابتعدوا عنه ولم يفعلوا شيئا من ذلك لا في صحفهم ولا في مجلاتهم، ولا في كتبهم الوطنية. ولكن هذا قد سجل، سجل في الشرق، وسجل في الغرب، وتناقلته شركات الأنباء.

هؤلاء الأقليات كانوا السبب في الوبال على المسلمين في جميع عصورهم، بواسطة الأقليات ضاعت الأندلس، وبواسطة الأقليات الآن قامت دولة يهودية ودولة مسيحية، أو تكاد تكون مسيحية. ودول – تعلمون أيضا – أنها ضالة مضلة وليست بمسلمة.

فالإسلام اليوم وجوده في هذه الديار القريبة منا في خطر، وهم على أبواب خط النار، والعرب – مادة الإسلام الأولى – وجودهم في خطر. سبب ذلك كله: بقاء القليات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير