إن الذي يسترعي الانتباه في الكثير من هذه النقول أن كلاً من ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله يقدم قرينة على كون المراد بالكراهة في هذا الموضع التحريم و في ذاك التنزيه.
و الذي يسترعي الانتباه كذلك هو أنهما في الكثير من المواضع لم يجزما بمراد من نقلا عنه من إطلاق لفظ الكراهة و إليك بعضاً من هذه المواضع:
الفتاوى 30/ 209
(وقد استوفيت مسألة الاستئجار لحمل الخمر فى كتاب الصراط المستقيم، بينت أن الصواب منصوص أحمد أنه يقضى له بالأجرة وأنها لا تطيب له إما كراهة تنزيه أو تحريم)
مجموع الفتاوى [جزء 31 - صفحة 212]
(فمذهب أحمد فى غير المسجد يجوز بيعه للحاجة وأما المسجد فيجوز بيعه أيضا للحاجة فى أشهر الروايتين عنه وفى الأخرى لا تباع عرصته بل تنقل آلتها إلى موضع آخر، ونظير هذا المصحف فإنه يكره بيعه كراهة تحريم أو تنزيه)
مجموع الفتاوى [جزء 32 - صفحة 108]
وأما إذا نوى الزوج الأجل ولم يظهره للمرأة فهذا فيه نزاع يرخص فيه أبو حنيفة والشافعي ويكرهه مالك وأحمد و غيرهما ... وهو يتردد بين كراهية التحريم وكراهة التنزيه
الفتاوى الكبرى [جزء 5 - صفحة 321]
وأطلق أحمد الكراهة والكراهة المطلقة هل تنصرف إلى التحريم أو التنزيه؟ على وجهين
فهذا التوقف أو التردد في حمل كلام السلف على أي من المعنيين أعني التحريم أو التنزيه يدلك على أنه لم تقم عند ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة قرينة كافية لذلك، و في هذا أكبر دليل على أن القول بأن الأصل في الكراهة عند السلف هو التحريم ـ كما قال بعض الأخوة الأفاضل في مكان آخر ـ قول خاطئ و إلا فلماذا هذا التوقف و التردد؟
فنخلص مما سبق إلى أنه من الخطأ حصر معنى الكراهة المطلقة عند السلف في التنزيه كما أنه من الخطأ حصرها في التحريم، و بالتالي فمن الخطأ عدُّ الأصل في إطلاق السلف الكراهة أنه للتحريم لأننا بهذا لن نأمن من الوقوع في الزلل في فهم كلامهم، و الصواب هو أن ننظر في كل نقل عنهم فيه ذكر للكراهة و نبحث عن القرائن التي تعيننا على ترجيح أحد المعنيين بتجرد كي نصل إلى مراد الأئمة و كي لا ننسب إليهم قولاً لا يقولون به.
أخيراً أوصي نفسي و إخواني أحبتي في الله أن نسترشد بفهم أئمتنا من السلف الصالح و من سار على نهجهم فهذا هو الضابط الصحيح لفهم كلام الله عز و جل و كلام نبيه صلى الله عليه و سلم، فمن واقع مسألتنا نجد من حمل كراهة السلف على التنزيه و هذا ما نتفق جميعاً على خطئه، و في المقابل نجد من قال إن الكراهة لم تطلق عند سلفنا إلا للتحريم و نجد من قال إن الأصل في الكراهة عند السلف هو التحريم و نجد من قال إن الكراهة إذا أطلقت عند السلف يراد بها التحريم، و كل هذه العبارات على تفاوت طفيف بينها تختلف لفظاً و معنىً عما قاله أئمتنا، فلماذا نعدل عن لفظهم و معناهم؟
قال ابن تيمية رحمه لله
(والكراهية في كلام السلف كثيرا وغالبا يراد بها التحريم)
و قال ابن القيم رحمه الله
(وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله أو مكروه فأكثر ما تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه)
و بعد ... فهذا ما ظهر لي من تتبع كلام الأئمة فإن كان خطأ فأرجو أن تصوبوني و أنا راجع إلى الحق إن استبان لي إن شاء الله.
هذا و الله أعلى و أعلم و رد العلم إليه أسلم، و صل اللهم على عبدك و نبيك محمد و على آله و صحبه و سلم.
ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[05 - 03 - 06, 09:08 ص]ـ
الأخ الكريم أبو سند ... بارك الله فيك
الأخ الكريم الساحلي ... نحن ضيوف عليك هنا، جزاك الله خيراً على فوائدك المتفرقة في المنتدى
الأخ الكريم ضعيف ... بارك الله فيك، العبرة بالقرائن في الحالين أرجو أن يكون هذا هو مرادك
ـ[زبير محمد]ــــــــ[05 - 03 - 06, 01:52 م]ـ
السلام عليكم شكرا على هذه المعلومات القيمة. هناك إشكالية في فهم معنى الكراهة عند بعض الأئمة. فقد نجد أمرا ورد نص باستحبابه ثم يقال إن إماما من الأئمة مثل الإمام مالك رضي الله عنه كرهه، فما معنى الكراهة عنده في مثل هذه المسائل؟
بسم الله و الصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله و على آله وأصحابه ومن اتبع هداه
اللهم وفقنا لما تحب من القول و ترضى
ذكر غير واحد من أهل العلم أن المكروه له إطلاقات أربع:
1 - المحرم وقع في كتاب الله في سورة الإسراء بعد ذكر أمور محرمة وبعضها من الكبائر " كل ذلك كان سيئه - و في قراءة سيئة- عند ربك مكروها" و وقع في كلام الأمة كمالك و الشافعي بل هو العام على كلامهم لأنه كانوا يتحرجون من قول هذا حرام لما لم يرد فيه نص صريح لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} قلت و هذا المعنى يأتي عند الأحناف فلا يطلقون الحرام إلا على ما ثبت بنص صريح. أما ما سواه فهو المكروه. كما أن الواجب هو الثابت و الفرض هو ما لم يثبت بالقطع, فلت و هو مذهب المعتزلة أيضا.
2 - ما نهي عنه تنزيها لا تحريما كالصلاة في الأوقات و الأماكن المخصوصة.
3 - يطلق على ترك المندوبات والأولى كصلاة الضحى.
4 - يطلق على ما فيه شبهة و قي النفس منه حزازة. و هو جنس من مراعاة الخلاف لدى من يقول به وهو بحق فرع مشكل كم قاله غير واحد من العلماء.
هذا والله تعالى أعلم
¥