تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قالوا: والآثار من الصحابة مختلفة فمنهم من روي عنه تحريم الزيادة ومنهم من روي عنه إباحتها ومنهم من روي عنه كراهتها كما روى وكيع عن أبي حنيفة عن عمار بن عمران الهمداني عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها والإمام أحمد أخذ بهذا القول ونص على الكراهة وأبو بكر من أصحابه حرم الزيادة وقال: ترد عليها)

فأنت ترى أن من الصحابة من قال بالحرمة و منهم من قال بالكراهة هكذا بإطلاق و هذه طبعاً غير الحرمة التي قال بها الأولون فتكون للتنزيه و هو ما اختاره الإمام أحمد بينما اختار بعض أصحابه كالأثرم قول الفريق الأول من الصحابة فقال بالحرمة، و في هذا النقل من الفوائد كالذي في سابقه تماماً.

فالذي أفهمه من هذه النقولات أن إطلاق الكراهة عند السلف دون قيد ليس بالضرورة أن يراد به التحريم ـ و إن كان هذا هو الغالب ـ بل الثابت أن السلف رغم أنهم كانواأكثر ما يستعملون الكراهة المطلقة للتحريم فإنهم كانوا يستعملونها كذلك للتنزيه، كما قال ابن تيمية رحمه الله

(والكراهية في كلام السلف كثيرا وغالبا يراد بها التحريم) و لم يقل دائماً و أبداً

و هذا الكلام موافق لما نقلتُه في مشاركة سابقة عن ابن القيم رحمه الله

لذا فما دام السلف يطلقون الكراهة و يعنون بها التحريم و يطلقونها و يعنون بها التنزيه فمن الغلط على هؤلاء الأئمة أن نحمل ما كرهوه على التنزيه فقط كما قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين:

(وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى وهذا كثير جدا في تصرفاتهم فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة)

و في المقابل فمن الغلط أيضاً أن نحمل كل ما أطلق عليه الأئمة لفظ الكراهة على التحريم لأننا و إن كنا سنوافق مرادهم في الكثير من المواضع بل في أكثرها ـ لأنهم غالباً يريدون بالكراهة التحريم ـ إلا أننا بلا شك سنخالف مرادهم في المواضع التي أرادوا فيها التنزيه و حملناها نحن على التحريم بسبب عدم تحقيقنا في مرادهم، و آمل أن توافقني على ذلك.

إذاً فما السبيل كي لا نغلط على هؤلاء الأئمة ومن ثَمَّ لا نغلط على الشريعة؟

السبيل هو الاسترشاد بكلام الأئمة المتقدمين الذين كانوا قريبي عهد بالسلف الصالح و الاسترشاد بكلام الأئمة المحققين من أتباع المذاهب فهؤلاء أقرب لمعرفة مراد أئمتهم، إذ لا يخفى أن كلام ابن القيم السابق إنما هو موجه لغير أصحاب التحقيق من أتباع الأئمة.

و إليك أخي الكريم بياناً لما أقول من تصرفات ابن تيمية و تلميذه ابن القيم رحمهما الله فهما ممن لن نختلف على إمامتهما و كونهما من أهل التحقيق في الأصول و الفروع إن شاء الله:

مجموع الفتاوى [جزء 32 - صفحة 219]

وأما الشافعي فإنه قال أكره اللعب بها للخبر واللعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهناه أخف حالا من النرد وهكذا نقل عنه غير هذا اللفظ مما مضمونه أنه يكرهها ويراها دون النرد ولا ريب أن كراهته كراهة تحريم فإنه قال للخبر ولفظ الخبر الذي رواه هو عن مالك من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله

فهذه الكراهة فهمها ابن تيمية رحمه الله أنها للتحريم.

مجموع الفتاوى [جزء 32 - صفحة 241]

قال البيهقي روينا في كراهية اللعب بها عن يزيد بن أبي حبيب ومحمد ابن سيرين وإبراهيم ومالك بن أنس قلت والكراهية في كلام السلف كثيرا وغالبا يراد بها التحريم وقد صرح هؤلاء بأنها كراهة تحريم بل صرحوا بأنها شر من النرد والنرد حرام

زاد المعاد [جزء 5 - صفحة 690]

ذكر أبو الحسن الآمدي قال: إذا أجر نفسه من رجل في حمل خمر أو خنزير أو ميتة كره نص عليه وهذه كراهة تحريم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن حاملها

و لن أكثر من النقول هنا لأننا متفقون على أن السلف يطلقون الكراهة و يريدون التحريم و أن هذا هو الأكثر في كلامهم، و كنتُ قد نقلتُ سابقاً ما يدل على أنهم يستخدمون الكراهة للتنزيه فلا داعي للإعادة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير