ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[14 - 03 - 06, 12:09 ص]ـ
وأخيراً؛ إليك بعض نصوص العلماء التي وقفت عليها في هذه المسألة، وأكثرها نقول عن شيخ الإسلام – رحمه الله –؛ فمنها:
1 – قال شيخ الإسلام – رحمه الله – في كلامه على ابن مخلوف كما في المجموع (3/ 235): ... هل ادعى أحد عليَّ دعوى مما يحكم به؟ أم هذا الذي تكلمتُ فيه هو من أمر العلم العام؟ مثل تفسير القرآن، ومعاني الأحاديث، والكلام في الفقه، وأصول الدين. وهذه المرجع فيها إلى من كان من أهل العلم بها، والتقوى لله فيها، وإن كان السلطان والحاكم من أهل ذلك تكلم فيها من هذه الجهة، وإذا عزل الحاكم لم ينعزل ما يستحقه من ذلك، كالإفتاء ونحوه، ولم يقيد الكلام في ذلك بالولاية.
وإن كان السلطان والحاكم ليس من أهل العلم بذلك ولا التقوى فيه لم يحل له الكلام فيه، فضلًا عن أن يكون حاكمًا.
2 – وقال – رحمه الله – في المجموع (3/ 238): والأمة إذا تنازعت ـ في معنى آية، أو حديث، أو حكم خبري، أو طلبي ـ لم يكن صحة أحد القولين، وفساد الآخر ثابتًا بمجرد حكم حاكم، فإنه إنما ينفذ حكمه في الأمور المعينة دون العامة.
ولو جاز هذا لجاز أن يحكم حاكم بأن قوله تعالى: " يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ " [البقرة: 228] هو الحيض والأطهار، ويكون هذا حكمًا يلزم جميع الناس قوله،
أو يحكم بأن اللمس في قوله تعالى: " أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء " [المائدة: 6] هو الوطء، والمباشرة فيما دونه،
أو بأن الذي بيده عقدة النكاح هو: الزوج، أو الأب، والسيد وهذا لا يقوله أحد.
وكذلك الناس إذا تنازعوا في قوله: " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه: 5] فقال: هو استواؤه بنفسه وذاته فوق العرش، ومعنى الاستواء معلوم، ولكن كيفيته مجهولة. وقال قوم: ليس فوق العرش رب، ولا هناك شيء أصلا، ولكن معنى الآية: أنه قدر على العرش، ونحو ذلك. لم يكن حكم الحاكم لصحة أحد القولين وفساد الآخر مما فيه فائدة.
ولو كان كذلك لكان من ينصر القول الآخر يحكم بصحته إذ يقول: وكذلك باب العبادات، مثل كون مس الذكر ينقض أو لا، وكون العصر يستحب تعجيلها أو تأخيرها، والفجر يقنت فيه دائمًا أو لا، أو يقنت عند النوازل ونحو ذلك. اهـ
3 – وقال – رحمه الله – في المجموع (3/ 239): والذي على السلطان في مسائل النزاع بين الأمة أحد أمرين: إما أن يحملهم كلهم على ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة؛ لقوله تعالى: " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ " [النساء: 95]. وإذا تنازعوا فَهِمَ كلامهم: إن كان ممن يمكنه فهم الحق، فإذا تبين له ما جاء به الكتاب والسنة دعا الناس إليه، وأن يقر الناس على ما هم عليه، كما يقرهم على مذاهبهم العملية.
فأما إذا كانت البدعة ظاهرة - تعرف العامة أنها مخالفة للشريعة - كبدعة الخوارج، والروافض والقدرية والجهمية، فهذه على السلطان إنكارها لأن علمها عام، كما عليه الإنكار على من يستحل الفواحش، والخمر، وترك الصلاة، ونحو ذلك.
4 – وقال – رحمه الله – في المجموع (3/ 240): وأما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قول بلا حجة من الكتاب والسنة فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين، ولا يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها، فيكون كلامه قبل الولاية وبعدها سواءً، وهذا بمنزلة الكتب التي يصنفها في العلم.
نعم الولاية قد تمكنه من قول حق ونشر علم قد كان يعجز عنه بدونها، وباب القدرة والعجز غير باب الاستحقاق وعدمه، نعم للحاكم إثبات ما قاله زيد أو عمرو ثم بعد ذلك إن كان ذلك القول مختصا به كان مما يحكم فيه الحكام؛ وإن كان من الأقوال العامة كان من باب مذاهب الناس، فأما كون هذا القول ثابت عند زيد ببينة أو إقرار أو خط فهذا يتعلق بالحكام.
¥