تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدليل الخامس: أنَّ القول بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف لم يقله الخلفاء الراشدون ولا الصحابة ولا من بعدهم من السلف، والدليل على ذلك وجود حكم الخليفة في أمرٍ من الأمور ونجد الصحابة وأهل العلم يخالفونه في ذلك، ومنها:

1 – قصة اجتهاد أبي بكر وعمر في حج التمتع، وقول ابن عباس: أُراهم سيهلكون! أقول: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ويقول: نهى أبو بكر وعمر.

2 - أن معاوية لمَّا قَدِمَ المدينة – وهو ولي أمر المسلمين (1) – قال: أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك ().

وقد خالف في ذلك أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – (2) مع أنَّ ظاهر هذا الخبر وغيره موافقة أكثر الصحابة لقول معاوية – رضي الله عنه –.

3 – وقصة الرشيد مع الإمام مالك – رحمه الله – حينما أراد أن يحمل الناس على رأي مالك في (الموطأ) منعه الإمام مالك، وقال له: إن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تفرقوا في الأمصار، وقد أخذ كل قومٍ بما بلغهم.

4 – مخالفة شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لأغلب علماء عصره؛ بل امتحن في مسألة الطلاق ثلاثاً هل يقع واحدة أم لا؟ وغيرها من المسائل.

ولم يُلزم أحدٌ من العلماء شيخَ الإسلام – رحمه الله – بالرجوع عن قوله أو – على الأقل – عدم الإفتاء في هذه المسألة بحجة أن حكم الحاكم يرفع الخلاف!

والأمثلة على هذا كثيرة.

الدليل السادس: أنَّ القول بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف قولٌ فاسدٌ من وجهين:

الوجه الأول: أنه يلزم على هذا القول تتبع أحكام الحكام والسلاطين مع ما هم فيه من الفسق والفجور، وترك كلام الأئمة والسلف؛ فضلاً عن الأدلة الشرعية!

الوجه الثاني: إلى متى يستمر الخلاف مرفوعاً؟

فإن قيل: أبد الدهر.

قلنا: هذا فاسد؛ حتى على مذهب القائلين بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف!

وإن قيل: يستمر الخلاف مرفوعاً إلى أن يموت أو ينعزل الحاكم أو إلى أن ينقضه الحاكم الذي يليه.

قلنا: هذا مخالف للواقع العملي، ولا يُعلم وقوعه في عصرٍ من العصور.

وبهذين الوجهين يتبين فساد هذا القول.

الدليل السابع: أنَّ جماعةً من أهل العلم على عدم جواز إلزام ولي الأمر القضاةَ المجتهدين بالحكم بمذهبٍ معين، لِمَا في ذلك من مفاسد؛ ومن أعظمها، وهو ما يهمنا هنا: أن القاضي يحكم بخلاف ما يعتقده راجحاً. هذا الرأي هو ما ترجح لدى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية؛ بل لا أظن أنَّ هناك خلافاً في هذه المسألة، حيث إن حجة من يرى إلزام القضاة بالحكم بما يوضع له من أحكام هو: عدم وجود القضاة المجتهدين في هذا العصر، ودرءاً لمفسدة تناقض أحكام القضاة، دون تجويزهم أن يحكم القاضي المجتهد بخلاف ما يعتقده صواباً.

وإذا كان هذا في القضاة المُوَلين من قبل ولي الأمر بشروط معينة، فغيرهم كذلك؛ بل من باب أولى.


(1): جاء هذا صريحاً في رواية ابن خزيمة في صحيحه (2408): وهو يومئذٍ خليفة.

(2): حيث قال – كما في رواية عند مسلم –: أما لا أخرج إلا ما كنت أخرجه على زمان النبي – صلى الله عليه وسلم –.

ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[14 - 03 - 06, 12:06 ص]ـ
الدليل الثامن: أنَّ الفقهاء ذكروا أنَّه إذا اجتهد مجتهدان، فاختلفا في جهة القبلة، أنَّه لا يتبع أحدهما الآخر؛ أما المقلد فإنه يتبع أوثقهما عنده.
وجه الاستدلال: أنَّ الاختلاف في جهة القبلة لا يكون إلا في السفر، والمسلمون المسافرون مأمورون بتأمير أحدهم؛ فإذا وقع الاختلاف في القبلة فيعمل المجتهد باجتهاده – وإن خالف الأمير –، ويعمل المقلد بعمل الأوثق والأعلم عنده – وإن خالف الأمير –.
فتقاس هذه المسألة على مسألتنا؛ فليس للحاكم أن يجبر الناس على رأيه، وعلى المجتهد أن يعمل باجتهاده – وإن خالف ولي الأمر –، وعلى المقلد سؤال أهل العلم والعمل بما يفتون به – وإن خالف قول ولي الأمر –.
ويناقش هذا الدليل بما يلي: 1 – أنَّ هذه المسألة ليست محل اتفاق بين العلماء؛ ولا يصح القياس على أصل متنازع فيه.
2 – أنَّ سبب المنع من تقليد أحدهما الآخر هو: أنَّ كل واحدٍ منهما يعتقد أنه ترك أمراً مجمعاً عليه، وهو: استقبال الكعبة – كما ذكر ذلك القرافي في الفروق 2/ 188 – ونحن نتفق معكم في أنَّ المسائل المجمع عليها ليس لولي الأمر – فضلاً عن غيره – أن يأمر بخلافها.

الدليل التاسع: عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام؛ فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا. صبأنا! فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجلٍ منَّا أسيره؛ حتى إذا كان يومٌ أمرَ خالد أن يقتل كل رجلٍ منَّا أسيره. فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجلٌ من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكرناه. فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يديه، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد.
وجه الاستدلال: يستدل به من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ ابن عمر – رضي الله عنهما – ومن معه، لم يمنعهم من كون خالد بن الوليد هو قائدهم وأميرهم أن يخالفوه عندما حصل عندهم شك في جواز ما أمر به؛ فكيف لو كان ذلك فيما رأوا أنه حرام؟!
الوجه الثاني: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعتب على الصحابة الذين عصوا الأمير عندما شَكُّوا في جواز ما أمرهم به.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير