تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجب على السلطان أن ينفذ ما وضعوه دون ما وضعه هو؛ لأنهم هم نواب الأمة، وهم الذين لهم حق انتخاب الخليفة، ولا يكون إمامًا للمسلمين إلا بمبايعتهم، إن خالفهم وجب على الأمة تأييدهم عليه لا تأييده عليهم، وبناء على هذه القاعدة التي لا خلاف فيها عند سلف الأمة؛ لأنها مأخوذة من نصوص القرآن الحكيم، قال الخليفة الأول في خطبته الأولى: (وليت عليكم ولست بخيركم، فإذا استقمت فأعينوني، وإذا زغت فقوموني) وله كلام آخر في تأييد هذه القاعدة، وقال الخليفة الثالث على المنبر أيضًا: (أمري لأمركم تبع)، وقال الخليفة الرابع في أول خطبة له، وكانت بعدما علمنا من الأحداث والفتن: (ولئن رد إليكم أمركم إنكم لسعداء، وأخشى أن تكونوا في فترة)، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] (الشورى: 38) والفتنة التي قتل فيها عثمان لم تكن بالشورى بين أولي الأمر، بل كانت بدسائس هاجت الرعاع، وأرز (انكمش) فيها مثله وهو إمام أولي الأمر وأعلمهم وأعدلهم إلى كسر بيته. وما قاله بعض الفقهاء خدمة للمستبدين من الأمراء: من وجوب طاعتهم في كل شيء خوفًا من الفتنة؛ مخالف لنص الحديث الصحيح وللإجماع على مضمونه، ولعمل الصدر الأول؛ وهو الذي كان السبب في إضاعة ملك المسلمين وترك العمل بشرع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالخضوع للمستبدين الظالمين هو الذي مهد السبيل للخضوع للكافرين، ولأجل هذا كان الحكام المستبدون يضطهدون العلماء المستقلين، ويرفعون رتب المعممين المقلدين، الذين كانوا أعوانهم في كل حين، نعم .. إن مقاومة الأمة لأمراء الجور المتغلبين؛ يجب أن يكون بالحكمة والتدبر؛ واتقاء استشراء الفتن وانتشارها والعمل بقاعدة ارتكاب أخف الضررين. 3 - وقال الأستاذ مصطفى الزرقا – رحمه الله – في المدخل الفقهي العام (1/ 215): والاجتهاد الإسلامي قد أقر لولي الأمر العام من خليفةٍ أو سواه أن يَحُدَّ من شمول الأحكام الشرعية وتطبيقها، أو يأمر بالعمل بقول ضعيف مرجوح إذا اقتضت المصلحة الزمنية ذلك، فيصبح هو الراجح الذي يجب العمل به، وبذلك صرح فقهاؤنا، وفقاً لقاعدة: (المصالح المرسلة)، وقاعدة (تبدل الأحكام بتبدل الزمان)، ونصوص الفقهاء في مختلف الأبواب تفيد أن السلطان إذا أَمَرَ بأمرٍ في موضوعٍ اجتهادي – أي: قابل للاجتهاد، غير مصادم للنصوص القطعية في الشريعة – كان أمره واجبَ الاحترام والتنفيذ شرعاً، فلو مَنَعَ بعض العقود لمصلحةٍ طارئةٍ واجبة الرعاية، وقد كانت تلك العقود جائزة نافذة شرعاً، فإنها تصبح بمقتضى منعه باطلة، وموقوفة على حسب الأمر.

4 - وقال أيضاً (1/ 221): بقي أن يقال: إنَّ إعطاء هذه الصلاحية لولي الأمر العام يؤدي إلى إمكان أن يتصرف هذا الحاكم بحسب هواه في تغيير الأحكام الاجتهادية وتقييدها بأوامر أو قوانين زمنية يصدرها، وقد لا يهمه موافقتها لقواعد الشريعة، وقد يكون هو جاهلاً أو فاسقاً لا يبالي تهديم الشريعة؛ فكيف تجب طاعته شرعاً في هذه الأوامر؟

والجواب: أنَّ هذه النصوص الفقهية مفروضة في إحدى حالتين:

إما أن يكون الحاكم نفسه من أهل العلم والتقوى والاجتهاد في الشريعة، كما كان في الصدر الأول من العهد العباسي ..

وإما ألا يكون عالماً مجتهداً؛ وعندئذٍ لا يكون لأوامره هذه الحرمة الشرعية، إلا إذا صدرت بعد مشورةِ أهل العلم في الشريعة وموافقتهم.

5 – ثم قال – رحمه الله – (1/ 222): قلنا: إنَّ ولي الأمر الذي ليس بعالم مجتهد، لا يكون لأوامره وزن شرعي إلا إذا صدرت بعد مشورة أهل العلم بالشريعة وموافقتهم.

وها هنا تبرز مشكلة أخرى، وهي: أنَّ موافقة أهل العلم قد تحصل ممن يخضعون للحكام أنفسهم، ويمالئونهم رغبةً ورهبةً، ولا يتجاسرون أن يردوا للحاكم طلباً أو يعصوا له أمراً؛ فهؤلاء لا قيمة لموافقتهم حتى لو كانوا ذوي علم.

وقد تأخذ هذه المشكلة صورة أخرى، وهي: أن يعيِّن أولو الأمر لبعض المناصب المهمة شرعاً كالإفتاء من ليسوا علماء راسخين في الشريعة، أو من يأتمرون بأمر الحاكم خوفاً وطمعاً ... فأمثال هؤلاء الحكام ما قيمة أمرهم ونهيهم باسم الإسلام؟ وأمثال أولئك المرتزقة من علماء الدين الذين ينافقون لهم على سبيل الدنيا، ما قيمة فتاواهم وتصريحاتهم في تأييد تصرفاتهم ورغباتهم؟

ثم نقل عن ابن عابدين وغيره: أنَّ أمراء زماننا لا يفيد أمرهم الوجوب ..

ثم قال: ومما تقدم نقله وبيانه يتضح أنَّ: تفسير أولي الأمر في الآية الكريمة بالعلماء في أصح الأقوال – كما نقله الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله – إنما المقصود به: العلماء الثقات في علمهم وبصيرتهم، وتقواهم لله، وزهدهم فيما عند الحكام من مطامع ومغريات، ممن لا يحملهم على النفاق لهم ترغيب أو ترهيب، وليس المراد بهم تجار العلم والدين من العلماء المنافقين.

6 - وقال أصحاب المجلة العدلية في رسالتهم إلى عالي باشا (الصدر الأعظم) بشأن المجلة العدلية (ص 84): فإذا أمر إمام المسلمين بتخصيص العمل بقولٍ من المسائل المجتَهَدِ فيها تعيَّنَ ووجبَ العملُ بقوله.

7 - وقالوا – أيضاً – في المادة (1801): القضاء يتقيد ويتخصص بالزمان والمكان، واستثناء بعض الخصومات … وكذلك لو صدر أمرٌ سلطاني بالعمل برأي مجتهد في خصوص لما أن رأيه بالناس أرفق، ولمصلحة العصر أوفق؛ فليس للقاضي أن يعمل برأي مجتهد آخر منافٍ لرأي ذلك المجتهد، وإذا عمل لا ينفذ.

ويتلخص لنا من كلام القائلين بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، أنَّ ذلك مشروط بشروطٍ وضوابط:

1 – أن يكون الحاكم من أهل العلم والاجتهاد، أو يكون حكمه بعد مشورة أهل العلم والاجتهاد.

2 – أن لا يكون حكمه مخالفاً لنصٍ من الكتاب أو السنة أو الإجماع.

3 – أنه لا يشترط أن يكون حكمه موافقاً لاجتهاد الفقهاء فيما أصلوه أو فرعوه برأيهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير