تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالتحريم المؤبَّد: الذي لم يعلق بغاية يزول التحريم عندها، وأسبابه على ضربين: الأول: مجمع عليه بين الأمة، والثاني: فيه خلاف.

أما الضرب الأول: فجميع أسبابه مذكورة في آيات سورة النساء، وهي ثلاثة:

السبب الأول: النسب:

النسب: هو اشتراك من جهة أحد الأبوين وذلك ضربان:نسب بالطول: كالاشتراك من الآباء والأبناء، ونسب بالعرض: كالنسبة بين بني الإخوة وبني الأعمام (). قال تعالى: ?الذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهرَاً? " [الفرقان: من الآية 54].

والمحرمات بالنسب سبعٌ، وهنَّ:

1) الأمّ: الأمّ لغة: (الأصل)، قال تعالى: ?مِنهُ آياتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أمُّ الكِتَابِ? [آل عمران: من الآية 7] أي: أصل الكتاب، فأمُّ الإنسان أصلُه قربت أم بعدت، فيحرم على الرجل أمّه التي ولدته، وما علاها.

2) البنت: مؤنث (ابنٍ) وهو الولد، أصلها (بنِوَةٌ) فأُلحقتها التاءُ المبدلة من لامها ()، فيحرم على الرجل ابنته من صُلبه، وجميع فروعها الإناث لدخولهن في لفظ (البنت)، ذلك أن الاسم ينطلق على القريب والبعيد، كما في قوله سبحانه: ? يَا بَنِي آدَمَ ? فدخل فيه القريب والبعيد.

و يدخل في هذا العموم بنت الزنا، كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد ()، وقد حُكي عن الشافعي شيء في إباحتها وصحح ذلك الإمام العالم أبو زكريا النواوي رحمه الله تعالى () وغيره من محققي الشافعية، قالوا: لأن بنت الزنا أجنبية عن أبيها، إذ لا حرمة لماء الزنا؛ بدليل انتفاء سائر أحكام النسب من إرث ووجوب النفقة وجواز الخلوة عنها، فلا تتبعض الأحكام ().

وهذا غير صحيح، فإن النسب تتبعض أحكامه، ودليل ذلك أنه قد ثبتت بعض أحكام النسب دون بعض، فبنت الملاعنة تحرم على الملاعن ولا ترثه، وهذا يقر به الشافعية، ويجاب على ذلك أيضاً بأنه إذا كان يحرم على الرجل أن ينكح ابنته من الرضاع ولا يثبت في حقها شيء من أحكام النسب سوى التحريم وما يتبعها من الحرمة، فكيف يباح له نكاح بنت خلقت من مائه؟! وأين المخلوقة من مائة من المتغذية بلبن در بوطئه؟!.

قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ومثل هذه المسألة الضعيفة ليس لأحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين، لا على وجه القدح فيه، ولا على وجه المتابعة له فيها، فإن ذلك ضَربٌ من الطعن في الأئمة، وأتباع الأقوال الضعيفة" ().

3) الأخت: مؤنث (أخ) والتاء فيها كالتاء في (بنت) و الأخ هو: المشارك آخر في الولادة من الطرفين، أو من أحدهما ()، فيحرم على الرجل كل من صدق عليه ذلك.

4) العمة: مؤنث (عمٍّ)، وهو مأخوذ من العموم وهو الشمول، وذلك باعتبار الكثرة ()، والعمُّ أخو الأب والعمة أخته، فيدخل في هذا الصنف كل أنثى شاركت الأب - وإن علا- في أصليه أو أحدهما أو من الرضاع.

5) الخالة: مؤنث (خال) وأصله (خَوْلَ) لأن جمعه أخوال، والخالة: أخت الأم، فيدخل في هذا الصنف كل أنثى شاركت الأم - وإن علت- في أصليها أو أحدهما أو من الرضاع.

6) بنت الأخ وبنت الأخت: يدخل في هذا الصنف كل من انتسب ببنوَّة الأخ من أولاده، وأولاد أولاده الذكور والإناث، وإن نزلن، وبنات الأخت كذلك.

وقد وضع بعض الفقهاء ضابطاً لمن يحرم من جهة النسب فقال: " تَحرُم نساء القرابة، إلا من دخلت تحت ولد العمومة أو ولد الخؤولة" ().

السبب الثاني: الرَّضَاع:

الرَّضَاع: اسم من (رضَِع)، ويقال في المصدر: رضَِع: رَضْعاً ورَضَعاً ورَضِعاً ورَضاعاً ورِضاعاً ورَضاعةً ورِضاعة (). قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي ?: "الرضاع اسم جامع يقع على المصَّة وأكثر منها على كمال رضاع الحولين، ويقع على كل رضاع وإن كان بعد الحولين" ().

وقبل الشروع في ذكر المحرمات من الرضاع؛ هناك مسألتان:

المسألة الأولى: في قَدْر الرضاع المعتبر:

اختلف العلماء في قدر الرضاع المعتبر- أي: القدر الذي يثبت به التحريم - على ثلاثة أقوال مشهورة:

القول الأول: أن قليل الرضاع وكثيره يحرِّم في وقت الرضاع، لعموم اللفظ في قوله:? وَأمَّهاتُكُم اللاتِي أرضَعنَكُم?، وهو قول جمهور العلماء: مالك وأبي حنيفة وغيرهما ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير