تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

8 - وأمّا عمل الصّحابة، فمنه حكم عمر رضي الله عنه برجم المرأة إذا ظهر بها حمل وليس لها زوج. وجعل ذلك يقوم مقام البيّنة في أنّها زانية، وكذلك السّكران إذا قاء الخمر.

9 - ومن ذلك: ماجاء في حديث أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها.

10 - أن الصحابة قضوا بالقرائن في كثير من الوقائع القضائية، وقد ساق ابن القيّم كثيراً من الوقائع الّتي قضى فيها الصّحابة رضي الله عنهم بناءً على القرائن، وانتهى إلى تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: «البيّنة على المدّعي» بأنّ المراد بالبيّنة ما يظهر صحّة دعوى المدّعي. فإذا ظهر صدقه بأيّ طريق من طرق الحكم، ومنها القرينة، حكم له.

11 - كما استدلوا بالمقصود الشرعي للقضاء ألا وهو إحقاق الحق وإقامة العدل، قال ابن القيم:" فإذا ظهرت أمارات العدل فثم شرع الله والله سبحانه أعلم وأحكم، وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة، وأبين أمارة. فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها،".

ومن أروع الأحكام العجيبة الموافقة للعدل أنه جاء رجلان إلى إياس بن معاوية؛ يختصمان في قطيفتين: إحداهما حمراء؛ والأخرى خضراء؛ فقال أحدهما: دخلت الحوض لأغتسل، ووضعت قطيفتي، ثم جاء هذا، فوضع قطيفته تحت قطيفتي، ثم دخل فاغتسل، فخرج قبلي، وأخذ قطيفتي فمضى بها؛ ثم خرجت فتبعته، فزعم أنها قطيفته؛ فقال: ألك بينة؟ قال: لا. قال: ائتوني بمشط؛ فأتي بمشط، فسرح رأس هذا، ورأس هذا. فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر، ومن رأس الآخر صوف أخضر؛ فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر، وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر.

وليعلم أن القرائن إنما يصار إليها عند انعدام جميع وسائل الإثبات الأخرى أو تعارضها فالقضاء بها للضرورة.

المطلب الثالث: إثبات الحدود بالقرائن

المسألة الأولى: حكم الأخذ بالقرائن في الحدود

اختلف أهل العلم في إثبات الحدود بالقرائن على قولين:

الأول: أن الحدود تثبت بالقرائن القوية كالحبل في إثبات جريمة الزنا ورائحة الخمر ووجود المسروقات لدى رجل صاحب تهمة، وهو قول المالكية وقول عند الحنابلة. مع التنبيه إلى أن المالكية لا يرون الأخذ بالقرائن في الحدود إلا في ما حكم به الصحابة وهي مسألتي الحمل لمن لا زوج لها ووجود رائحة الخمر فقط، وأما ابن القيم فعممها بكل قرينة قوية.

ومستند أصحاب هذا القول:

1 - حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه رضي الله عنه برجم المرأة التي ظهر بها الحبل، وزوجها غائب، فقال معاذ: إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها، فقال عمر: احبسوها حتى تضع فوضعت غلاما له ثنيتان، فلما رآه أبوه قال: ابني، فبلغ ذلك عمر فقال: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ .. ".

2 - وحكم في المرأة التي حملت لستة أشهر فأمر برجمها فاستدل له علي بقوله تعالى:" والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين .. " (البقرة:233) وبقوله:"وحمله وفصاله ثلاثون شهرا .. " (الأحقاف:15) وأن الحمل يكون ستة أشهر فخلى عمر سبيلها".

3 - وحكم عمر بذلك حيث قال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسر جلدته، فجلده عمر الحد تاما. وفي رواية أنه ابنه عبيدالله.

ويجاب عنه بأنه جلده بالاعتراف ولم يجلده بمجرد الرائحة.

4 - ما رواه مسلم أن حمران مولى عثمان شهد على الوليد بن عقبة أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيؤها، فقال عثمان:" لم يتقيأها حتى شربها " فحكم بجلده وعلي حاضر فلم ينكره.

وأجيب بأنه لم يجلده بمجرد التقيؤ بل بشهادة وتقيؤ وتخبط في الكلام وهي في غير محل النزاع.

5 - وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه جلد بحمص رجلا وجد منه ريح الخمر. ويجاب عنه باحتمال أنه اعترف بعد وجود هذه القرينة، وعند وجود الاحتمال يبطل الاستدلال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير