البنوك هو عقد وديعة النقود أو الوديعة الناقصة كما يسميها القانو ن، وحكم هذا العقد
[يعني الوديعة الناقص ة] أنه ينقل ملكية الوديعة إلى البنك ويخول البنك استخدامها لحسابه
وعلى مسئوليته وتثبت هذه الوديعة دينا في ذمته، ويلتزم برد بدلها عند الاقتضاء.
تنص المادة 301 من قانون التجارة المصري وهو القانون رقم 17 لسنة 1999 م
بإصدار قانون التجارة على أن: ((وديعة النقود عقد يخول البنك ملكية النقود المودعة
والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه مع التزامه برد مثلها للمودع طبقا لشروط العقد)).
وإذا كان ذلك كذلك فإن هذه المعاملة قرض بالقطع وفقا لنصوص القانون وحكم
الشريعة، لأن حقيقة القرض: تمليك للمال على ان يرد بدله، وهذا الذي يجري عليه
عمل المصرف في هذه الودائع فهو يخلطها بأمواله ويتصرف فيها تصرف الملاك ثم يرد
بدلها عند الاقتضاء ولما كانت العبرة في العقود للحقائق والمعاني وليس للألفاظ والمباني فإن
الودائع المصرفية هي قروض في الحقيقة وإن أطلق عليها غير ذلك، وتكييف الودائع على
هذا النحو متفق عليه بين الشريعة والقانون.
ففي الشريعة:
جاء في المغني لابن قدامة: ((ويجوز استعارة الدراهم والدنانير ليزن ? ا، فان
. (225/ استعارها لينفقها فهذا قرض)) (5
وفي المبسوط للسرخسي: ((عارية الدراهم والدنانير والفلوس قرض لأن الإعارة
إذن في الانتفاع، ولا يتأتى الانتفاع بالنقود إلا باستهلاكها عينا فيصير مأذونا في ذل ك))
. (145/ 11)
وفي تحفة الفقهاء للسمرقندي: ((كل ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه فهو
قرض حقيقة، ولكن يسمى عارية مجازا))
وفي القانون:
نصت المادة 726 من القانون المدني المصري الحالي على ما يلي: ((إذا كانت
الوديعة مبلغا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذونا
في استعماله اعتبر العقد قرضا)).
وهذا هو الحكم في بقية القوانين العربي ة، راجع المادة 692 من القانون المدني
السوري، والمادة رقم 726 من القانون المدني الليبي والمادة 971 من القا نون المدني
العراقي، والمادة 691 من قانون الموجبات والعقود اللبنا ني، والمادة 889 من القانون
المدني الأردني.
وهذا ما استقرت عليه القوانين الحديثة وراجع أيضا المادة رقم 458 من قانون
المعاملات المدنية السوداني وعليه جرت الأعراف المصرفية في العالم، وإذا كا ن هذا هو
التكييف القانوني للودائع المصرفية فكيف ساغ لفريق من الاقتصاديين أو الشرعيين أن
يتجاهلوا ذلك وأن يكابروا النص والواقع معا؟
يقول الدكتور السنهوري في الوسيط: ((وأكثر ما ترد الوديعة الناقصة يعني وديعة
النقود على ودائع النقود في المصارف حيث تنتقل م لكية النقود إلى المصرف ويرد مثلها
بعد الطلب أو بعد أجل بل ويدفع المصرف في بعض الأحيان فائدة عنها فيكون العقد في
هذه الحالة قرضا وقد أحسن المشرع المصري في اعتبار الوديعة الناقصة قرضا)) (الوسيط
. (754/ للسنهوري: 7
ثم يقول الدكتور السنهوري: ((لا محل للتميي ز بين الوديعة الناقصة يعني وديعة
النقود في المصارف والقرض حيث إن المودع في الوديعة الناقصة ينقل ملكية الشيء المودع
(754/ عنده ويصبح هذا مدينا برده مثله)) (الوسيط للسنهوري: 7
وإذا كان ذلك كذلك فإن الزيادة المشروطة كما جاء في هذه الفتوى تكون محرمة
: ((كل قرض جر نفعا فهو ربا)) والواجب أن r بالنص وب الإجماع لقول الرسول
تصدر الفتوى على المعاملة حسب ما يقررها القانون ويجري عليها العمل، دون افتراض
صورة خيالية للواقعة ثم إعطاء حكم شرعي لها حتى لا يقع اللبس لدى العامة لأن حكم
هذه الصورة المتخيلة لا ينطبق على ما يجري عليه العمل في البنوك.
هل المصرف فقير حتى نقرضه؟
وقد يرد على تخريج الودائع المصرفية على أ?ا من قبيل القروض هذا السؤال: (هل
المصرف فقير حتى نقرضه؟)
ويجاب عن ذلك بأن حقيقة الإقراض: تمليك للمال على أن يرد بدله، وهي تصدق
على الإقراض من الغني لل فقير كما تصدق على العكس، وكون الأصل في القروض أ?ا
من الأغنياء إلى الفقراء لا ينفي وجود صور أخرى تتضمن العكس وأظهر مثال على ذلك
ذا مال وفير وقد حسبوا تركته بعد موته t في تاريخنا الإسلامي الزبير بن العوام فقد كان
¥