القسم الثامن: من المداينة أن يكون لشخص على آخر دين، فإذا حلَّ قال له: إمَّا أن توفِّي دينك أو تذهب لفلان يدينك وتوفِّيني، ويكون بين الدائن الأول والثاني اتفاقٌ مسبقٌ في أنَّ كل واحد منهما يدين غريم صاحبه ليوفِّيه ثم يعيدُ الدَّين عليه مرة أخرى ليوفِّي الدائن الجديد. أو يقول: اذهب إلى فلان لتستقرض منه وتوفِّيني، ويكون بين الدائن الأول والمقرض اتفاق أو شبه اتفاق على أن يقرض المدين. فإذا أوفى الدائن الأول قلب عليه الدين، ثم أوفى المقرض ما اقترض منه. وهذه حيلة لقلب الدين بطريق ثلاثية وهي حرام لما تقدم من تحريم الحيل وتحذير النبي صلى الله عليه وسلّم أمته من ذلك. خلاصة ما تقدم: وبعد، فهذه ثمانية أقسام من أقسام المداينة بعضها حلال جائز فيه الخير والبركة، وبعضها حرام ممنوع ليس فيه إلا الشرُّ والخسارة ونزع البركة، ولو لم يكن فيه إلا أنه يزيِّن لصاحبه سوء عمله، فيستمر فيه ولا يرى أنه على باطل، فيكون داخلاً في قول الله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ}. وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالاَْخْسَرِينَ أَعْمَلاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
فالحلال من هذه الأقسام:
1 ـ أن يحتاجَ الشخص إلى سلعة أو عقار فيشتريه بثمن مؤجَّل لقضاء حاجته.
2 ـ أن يشتري السلعة أو العقار بثمن مؤجل للاتجار به وانتظار زيادة السِّعر.
3 ـ أن يحتاجَ إلى دراهم فيأخذها من شخص بسلعة يكتبها الآخذ في ذمته. وهذه الأقسام الثلاثة جائزة بلا ريب وسبقَ تفصيلها.
والحرام من الأقسام الأخرى: 1
ـ أن يحتاج إلى دراهم فلا يجدُ مَن يقرضه فيشتري سلعة من شخص بثمنٍ مؤجَّل زائد على قيمتها الحاضرة، ثم يبيعها على غيره، وهذه هي مسألة التَّورُّق، في جوازها خِلاف بين العلماء كما تقدم.
2 ـ أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد مَن يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجَّل، ثم يبيعها عليه بأقل مما اشتراها به، وهذه مسألة العينة.
3 ـ أن يتفق الدائن والمدين على أخذ الدراهم العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، ثم يذهب إلى ثالث فيشتري الدائن منه سلعة، هو في الحقيقة شراء صوري، ثم يبيعها على المدين ثم يبيعها المدين بدوره على الذي أخذها الدائن منه. وهذه طريقة المداينة التي يستعملها الآن كثير من الناس، وهي حرام كما سبق عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ولم يذكر خلافاً في تحريمها كما ذكر في مسألة التَّورُّق.
4 ـ أن يكون لشخص على آخر دينٌ مؤجَّلٌ فيحل أجله وليس عنده ما يوفيه، فيقول صاحب الدين: أدينك وتوفيني، فيدينه فيوفيه. وهذه طريقة أهل الجاهلية التي تتضمن أكل الرِّبا أضعافاً مضاعفة، إلا أنها صريحة في الجاهلية خديعة في هذا الزمان، ففيها مفسدتان.
5 ـ أن يكون لشخص على آخر دين مؤجل فيحل أجله، ويكون لصاحب الدين صاحب يتَّفق معه على أن يقرض المدين أو يدينه ليوفِّي الدائن، ثم يقلب عليه الدين مرة أخرى. وهذه هي طريقة الجاهلية مع إدخال الطرف الثالث المشارك في الإثم والعدوان والمكر والخداع.
فهذه الأقسام الخمسة محرَّمة، وقد علمت ما في القسم الأول منها من الخلاف.
واعلم أنَّ الدَّين في اصطلاح أهل الشرع اسم لما ثبت في الذمة سواء كان ثمنَ مبيعٍ أو قرضاً أو أجرةً أو صداقاً أو عوضاً لخلع أو قيمة لمتلف أو غير ذلك. وليس كما يظنه كثير من العوام من أنَّ المداينة هي التي يستعملونها ويستدلون عليها بقوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}. فإن المراد به هو الدين الحلال الذي بيّن الله ورسوله حِلَّه، دون الدين الحرام، وهذا كثير في نصوص الكتاب والسنة تأتي مطلقة أو عامة في بعض المواضع ولكن يجبُ أن تخصص أو تقيد بما دل على التخصيص والتقيد
ـ[الجامع الصغير]ــــــــ[18 - 12 - 03, 11:00 ص]ـ
أذكر رسالة أو فتوى للشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - في
مسألة الحيل في المعاملات .. إن وجدتها أتيت بها إن شاء
الله تعالى .. وهذه الرسالة أيضًا للشيخ في أحكام المداينات
لعلها تنفع في المسألة المذكورة .. نسخت لك هنا أقسام
المداينات فقط .. واعذرني على التقصير:
¥