تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مع أغلى كتاب]

ـ[د. محمد ناجي مشرح]ــــــــ[31 - 12 - 03, 06:02 م]ـ

المشاهد وأثرها النفسي والتربوي

المشهد الأول:قصة الرؤيا .. :

يصور المشهد الأول ما دار بين يوسف ويعقوب عليهما السلام في قصة رؤيا يوسف وهو يقصها على أبيه في خلوة عن الناس ووقائع النص توحي بظلالها مهابة الموقف ويتمثل في شخص النبيين وهما يتبادلان الرؤيا وتعبيرها وأبعادها ولنسمع إلى النص الكريم ونتملاه بتركيز وانتباه ليستبين لنا ذلك إذ يقول تعالى {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)} ()

وقد برز في هذا المشهد يعقوب ويوسف عليهما السلام في جلسة ضمتهما ويوسف يقص على أبيه ما تضمنته الرؤيا وهو يصغي إليه إلى أن انتهى من قصصه للرؤيا،ثم استمع لجواب أبيه وتعبيره لتلك الرؤيا العجيبة وهو متحفز لذلك بينما تكون الرؤيا مفاجأة ليعقوب عليه السلام فقد استشف من الرؤيا أن ابنه يوسف عليه السلام سيكون له شأن وأي شان؟ إنها النبوة ولهذا فقد اتجه إلى ابنه بكل جوارحه لا ليعبر له الرؤيا -فقط- ولكن ليحذره أيضا لقد عبر له الرؤيا والذي كان مفادها بأن الله سيجتبيه ويعلمه من تأويل الأحاديث تمهيدا لإسداء النعمة التي أسداها لأبويه إبراهيم وإسحاق عليهما السلام من قبل لتتم النعمة على آل يعقوب وأما التحذير الذي لم ينسه يعقوب عليه السلام فقد حذره ألا يقص رؤياه على أخوته لئلا يحسدوه ويكيدوا له وعلق الكيد الذي قد يحصل من أخوته بالشيطان لأن الحسد وسواه من الأعمال التي تستقذرها النفوس السويه يزينها الشيطان لبني آدم حتى يقعوا بها.

وينتهي المشهد الأول وقد غرس في نفوس المشاهدين عددا من المعاني التربوية:

1 - عامل السرية في نجاح الأعمال وأن ذلك يفوت كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، فتنمو النعم قبل أن تمتد إليها خيوط العراقيل التي قد تنسج شباكا في طريقها؛ ربما يكون السبب في عدم حصولها أو عرقلتها. ومن أجل هذا أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته بالاستعانة على قضاء الحاجات بالكتمان كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله {استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل صاحب نعمة محسود} () وهو "الكتمان" يوافق أصول الإسلام العملية والنظرية فقد بقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنين يدعو إلى الله سرا حتى أذن الله له أن يجهر بالدعوة كما في قوله تعالى {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (94)} () وكذلك الحال في الغزوات والسرايا و قصة أنس عندما تأخر عن أمه فقالت:يا أنس أين كنت قال أنس بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة. قالت ما حاجته؟ قال أنس إنها سر قالت فلا تفش سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأحد () وحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ قَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَقَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا * ()

2 - مكائد الشيطان:

فإنه يدخل إلى الإنسان من حيث يحب، وعداوته لاتنتهي، ومكره مستمر. ولاينجي الإنسان منه إلا الله سبحانه وتعالى؛وهذا يستدعي الالتجاء إلى الله تعالى. والتحصن منه بالسلاح الذي أرشد الله عباده إليه.وأرشد هم إليه -أيضا- النبي صلى الله عليه وآله وسلم.ومادام أن المعركة قائمة فإن وضع السلاح يعد مهلكة،وتسليم النفس إلى العدو يفعل بها مايشاء؛دون أدنى مقاومة. وهو إهمال لا ينبغي للعقلاء أن يتصفوا به. ()

3 - التحذير من الحسد فإنه داء وبيل يدخل الشيطان من خلاله ويصل بصاحبه إلى نتائج مأساوية لاتحمد عقباها.

ويودع المشهد الأول وقد ركْز في أذهان المستقبلين تلك المعالم التربوية المهمة وأوجز مقدمة لحياة يوسف عليه السلام في أنه سيكون له مستقبل مشرق لكن ما هي التفصيلات التي سيمر بها هل الرؤيا ستبقى طي الكتمان فيسلم يوسف من حسد أخوته؟

أم أن الرؤيا سوف تأخذ طريقها إلى أخوته فيكيدون له كيدا.وما هذا الكيد الذي سيكيدون ليوسف عليه السلام به.

كل هذه الأسئلة يمكن أن تتوارد إلى أذهان المستقبلين فينجذبون إلى مواصلة تتبع القصة إلى نهايتها وهذا مطلب إعلامي مهم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير