تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك عدم فصلك بالجملة بين القول بأن الأصل الائتساء والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والقول بأن الأصل أن أفعاله صلى الله عليه وسلم عبادة!

و لا تنسى أن القول بأن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه عبادة قول يحتاج إلى سلف أيضا، ولا يصلح ما ذكرته من أفعال الصحابة، لأنه من أين لك أنه فعل ذلك لهذا الأصل، بل قد يكون فعله لموافقة عرفه عرف النبي صلى الله عليه وسلم فوافق الفعل النبوي وكذلك المقصد النبوي، وهذا جار على أصل من لا يقول بقولك بإطلاق، ولا تنسى إنكار العلماء، بل وبعض الصحابة بعض ما كان يفعله عبد الله بن عمر اقتداءا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

سد الباب أمام أهل البدع يكون بحماية السنة من الهدم بإخراج بعض أفرادها منها، وكذلك بحمايتها من الدخيل الذي ليس فيها.

والضابط العام هو التفقه في فعله وقوله على طريقة السلف، والمقصود بالسلف ليس واحدا منهم، وإنما إلى سبيلهم، ولا يُغفلنا تأصيل عن تأصيل

فلا ننظر إلى اقتداء صحابي بالنبي صلى الله عليه وسلم في فعل معين فنبادر إلى جعله سنة مطلقة، ولا ننظر لماذا فعله صلى الله عليه وسلم، ولماذا اقتدى به الصحابي!

فلا يعترض مثلا على عالم سلفي صحيح المأخذ يقول بأن فعلا فعله رسول صلى الله عليه وسلم في غير بيان العبادات كالحج والصلاة مثلا، وفي غير بيان الأقوال الخاصة، يقول: إنه من قبيل موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لعرف قومه لا لأنه سنة تعبدية مطلقة كسنة السواك والنوافل وتقصير الثياب فوق الكعبين وغيرها من السنن التعبدية المطلقة.

أقول: لا يُعترض عليه بمتابعة الصحابي، الذي يجمعه مع النبي صلى الله عليه وسلم العرف العام والعادات المشتركة!

نعم إذا صرح الصحابي بأنه سنة مطلقة، بل من بعد الصحابي كذلك، دون الغفلة عن شروط اعتبار مثل ذلك، كعدم المخالفة مثلا وغير ذلك _ ولن أطيل الكلام بذكر القرائن _، ولا ننسى ما تناقلته الأمة بالنسبة إلى هذا الفعل، أقول إذا وُجد هذا صح الاعتراض

فالأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم يُقتدى به، ولكن الاقتداء ليس هو فعل صورة ما فعل دون النظر إلى قصده صلى الله عليه وسلم، بل الاقتداء الواجب هو فعل ما فعل على وفق قصده، فإن فعله تعبدا أفعله تعبدا، وإن فعله قضاءا يفعله القاضي، وإن فعله لأنه السلطان، فإنما يفعله السلطان، وإن فعله تعليما أفعله تعليما، وإن فعله موافقة لعرف قومه أفعله موافقة لعرف قومي، فإن لم يكن من عرفهم، لا أفعله موافقة لهم، فموافقة الأعراف فيما ليس فيه شرع منصوص معتبر، وإن فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله لا قصدا لتخصيصه به بالصلاة والنزول فيه، فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه أو النزول لمن نكن متبعين، بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب، نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، بل جعله من بدع أهل الكتاب.

طبعا لا يخفاك أن كل القواعد جاء من يتلاعب بها، فلا يدفعنا ذلك إلى هدم هذه القواعد، وخاصة أن أهل الحديث قواعدهم على فهم السلف، فكذلك تطبيقهم لهذه القواعد على طريقة السلف.

فرق بين فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته كالجلسة التي تسبق قيامه من سجدته الثانية إلى القيام، وهيئة قيامه منها _ إن ثبت حديث العجن _، وبين طريقة قيامه من جلوسه خارج الصلاة، فظهور التعبد في الأوليان، ليس كالأخيرة! فالأصل أنهما من صفة الصلاة، أي عبادة، وقرينة ذلك وجودها ضمن أفعال عبادة، فكيف مع قوله (صلوا كما رأيتموني أصلي)؟!

بخلاف الأخرى فإنها تحتاج إلى قرينة تعبّد.

ورغم هذا قال من العلماء _ علماء الكتاب والسنة _ بأنها ليست سنة، وإنما فعلها لما أسن عليه صلى الله عليه وسلم بقصد الاتكاء فقط فليست سنة!!

بغض النظر عن صواب القول في المسألة فإن كلامك يصلح للرد على أصحاب هذا القول، ويلزمهم بيان ما أخرج هذا الفعل عن سنن الصلاة.

وما يجري في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم يجري في أفعال الصحابة بله السلف من باب أولى

والمسألة غير قائمة على المثال أو المثالين، ولكن أحببت التنبيه.

أخي لن أطيل عليك فالموضوع له جوانب كثيرة لكن لعل لي معك عودة بعد أن أحيلك إلى بعض المواضع لتقرأها، وكن على ذكر أن الائتساء شيء وكونه عبادة شيء آخر، والثواب على القصد شيء وكون الفعل مشروعا لذاته أو مقصودا به التأسي شيء آخر.

انظر _ نضّر الله وجهك _ كتاب قاعدة في التوسل والوسيلة/ ت.المدخلي (ص199 - 211)، وكتاب أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام للعلامة العروسي (145 - 181)، والمحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي شامة المقدسي/ دار الكتب الأثرية (ص40 - 83)

تحياتي أخي الناصر، وأرجو أن تتحفنا بفوائدك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير