قال أبو محمد: متن ابن عاشر اسمه "المرشد المعين على الضروري من علوم الدين"، وهو ليس في الفقه فقط، بل افتتحه بمقدمة كلامية على الطريقة الأشعرية، ثم مقدمة أصولية صغيرة في أصول الفقه، ثم قسم العبادات من الطهارة للحج، وأخيرا: مباديء التصوف. وكان أهل المغرب يبدأون دراسة العلم به لتضمنه لتلك العلوم، حتى إن من أهل العلم من خص كل قسم بمصنف خاص شرحه فيه.
فصل
قال في (25) عند ذكر كتب المالكية التي كانت تدرّس في المعاهد الدينية في المغرب:
"رسالة ابن أبي زيد القيرواني بشرح "طالع الأماني" .. ".
قلت: بل بشرح "كفاية الطالب الرباني" لأبي الحسن علي بن ناصر الدين المنوفي الشاذلي، وهو من تلاميذ الحافظ السيوطي.
وبهذا الشرح درسنا "الرسالة" على يد شيخنا الشريف أبي محمد عبد القادر بن عبد الرحمن بن هشام بن الصديق الغماري، حفظه الله تعالى.
أما "طالع الأماني"؛ فهو حاشية العلامة محمد بن الحسن البناني على شرح الزرقاني للمختصر الخليلي.
فصل
قال في (ص26):
"لكن إن كان التقليد هو داء تلك الحقبة من الزمن، فلن يكون ضرره أكثر من ضرر التكفير الطافح في عصرنا على سطح المكتوبات والموسوعات، والمخرج لأقوام من المسلمين من الملة لأسباب غير داعية إلى ذلك. بل أين ذلك الجو الروحي الرفيع الذي انساب فيه طلبة العلم في ذلك الوقت من جو القذارة الأخلاقية التي نعيشها اليوم؟! ".
قال أبو محمد: هذا كلام جميل، لكنه غير دقيق، فإنه قبل أسطر قليلة ذكر أن علماء ذلك الوقت اتهموا الحافظ أحمد بن الصديق، رحمه الله تعالى، بالإلحاد، وشنوا عليه حربا لا هوادة فيها لعمله بالسنة والدليل.
وكذلك حدث لتقي الدين محمد بن عبد القادر الهلالي، رحمه الله تعالى، وقبله للعلامة الأثري أبي سالم عبد الله بن إدريس السنوسي؛ فإنه اتهم بالضلال والخارجية والاعتزال!!.
لكن يمكن للمقلدين أن يقولوا أيضا: قد هاجَمَنا هؤلاء وتجاسروا على كبار علمائنا واتهموهم بالضلال.
بل إن ابن الصديق كفّر المقلدين بأعيانهم في كتابه "الإقليد في تنزيل كتاب الله على أهل التقليد"، وعمد إلى الآيات النازلة في المشركين فأنزلها عليهم، وسب كبار أيمة المالكية المتأخرين، وقال: إن كتبهم وكتب القانون الوضعي سيان، بل كتبهم أسوأ. وحكم بكفر الدول المتحاكمة للقوانين الوضعية مثل مصر وتركيا في زمانه، ثم قال: إن المالكية في الغرب مثلهم، لأنهم يقدمون المذهب على السنة!!.
والمقصود: أن الصورة الوردية التي أعطاها المؤلف غير صحيحة، كما أن الصورة القاتمة التي أعطاها اليوم كذلك غير صحيحة. فما هي هذه الموسوعات والمكتوبات التي تكفر المسلمين اليوم؟!، وماذا يعني بها؟!، فإنه لم يوضح. ومن هذا الذي يكفر المسلمين دون موجب من أهل العلم اليوم؟.
لكن منذ أن كان الإسلام وعلماؤه في سائر كتبهم الفقهية يحذرون من الردة ويبينون نواقض الإسلام القولية والعملية، نصحا للمسلمين وتحذيرا لهم، أما إنزال الحكم على المعين فهو أمر آخر، ولا يلزم من وقوع المسلم في الكفر خروجه من الملة، بل ذلك يرجع لوجود شروط عديدة وانتفاء موانع متعددة.
وصحيح أننا نعاني من مسألة أخلاقية كبيرة اليوم، وقلة احترام التلاميذ لشيوخهم، بل قلة وفائهم لهم. وقد كان العلماء قديما على طريقة من الأدب رفيعة، غير أن دعاة الاجتهاد والعمل بالسنة يتحملون شطرا من انهيار تلك المنظومة الأخلاقية؛ لأنهم بدل أن يصلحوا من الداخل عمدوا لهدم الموجود، فأسسوا بناء جديدا غير متكامل.
وهذا الكلام أقصد به جل دعاة الاجتهاد والعمل بالدليل، سواء كانوا من المدرسة السلفية أو الصديقية أو "أنصار السنة" أصحاب الشريف محمد الزمزمي ابن الصديق. رحم الله الجميع وغفر لهم. وليس مقصودي التقليل من جهد أحد من العلماء، بل وضع اليد على مكامن الخطأ، وتقويم مسيرة الدعوة الإسلامية.
فإنني أحترم جميع المدارس الإسلامية الدعوية، وقد علمني والدي العلامة علي بن المنتصر، رحمه الله تعالى، أن لا أتعصب إلا للحق، وعلمني جدي الإمام محمد المنتصر، رحمه الله، ترك تقليد آراء الرجال وإعمال فكري، مع احترام الجميع وتوسيع العذر للناس.
¥