بضم الجيم هو سعيد بن إياس , وهو ممن اختلط ولم أر من صرح بأن سماع خالد منه قبل الاختلاط ولا بعده , لكن تقدم في الشهادات من طريق بشر بن المفضل ويأتي في استتابة المرتدين من رواية إسماعيل بن علية كلاهما عن الجريري , وإسماعيل ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه , وبين في الشهادات تصريح الجريري في رواية إسماعيل عنه بتحديث عبد الرحمن بن أبي بكرة له به.
قوله: (ألا أنبئكم)
في رواية بشر بن المفضل عن الجريري في الاستئذان " ألا أخبركم ".
قوله: (بأكبر الكبائر ثلاثا)
أي قالها ثلاث مرات على عادته في تكرير الشيء ثلاث مرات تأكيدا لينبه السامع على إحضار قلبه وفهمه للخبر الذي يذكره وفهم بعضهم منه أن المراد بقوله: " ثلاثا " عدد الكبائر وهو بعيد , ويؤيد الأول أن أول رواية إسماعيل بن علية في استتابة المرتدين " أكبر الكبائر الإشراك , وعقوق الوالدين , وشهادة الزور ثلاثا " وقد اختلف السلف فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر , ومنها صغائر , وشذت طائفة منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني فقال: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى الله عنه كبيرة , ونقل ذلك عن ابن عباس , وحكاه القاضي عياض عن المحققين , واحتجوا بأن كل مخالفة لله فهي بالنسبة إلى جلاله كبيرة ا ه. ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية فقال: انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء , وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا: المعاصي كلها كبائر , وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها , كما يقال القبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا وكلها كبائر , قالوا: ولا ذنب عندنا يغفر واجبا باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبيرة , ومرتكبه في المشيئة غير الكفر , لقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). وأجابوا عن الآية التي احتج أهل القول الأول بها وهي قوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) أن المراد الشرك. وقد قال الفراء: من قرأ " كبائر " فالمراد بها كبير , وكبير الإثم هو الشرك , وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد كقوله تعالى: (كذبت قوم نوح المرسلين) ولم يرسل إليهم غير نوح , قالوا: وجواز العقاب على الصغيرة كجوازه على الكبيرة ا ه. قال النووي: قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة إلى القول الأول , وقال الغزالي في " البسيط " إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه. قلت: قد حقق إمام الحرمين المنقول عن الأشاعرة واختاره وبين أنه لا يخالف ما قاله الجمهور , فقال في " الإرشاد ": المرضي عندنا أن كل ذنب يعصى الله به كبيرة , فرب شيء يعد صغيرة بالإضافة إلى الأقران ولو كان في حق الملك لكان كبيرة , والرب أعظم من عصي , فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم ; ولكن الذنوب وإن عظمت فهي متفاوته في رتبها. وظن بعض الناس أن الخلاف لفظي فقال: التحقيق أن للكبيرة اعتبارين: فبالنسبة إلى مقايسة بعضها لبعض فهي تختلف قطعا , وبالنسبة إلى الآمر الناهي فكلها كبائر ا ه. والتحقيق أن الخلاف معنوي , وإنما جرى إليه الأخذ بظاهر الآية , والحديث الدال على أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر كما تقدم , والله أعلم. وقال القرطبي: ما أظنه يصح عن ابن عباس أن كل ما نهى الله عز وجل عنه كبيرة لأنه مخالف لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر في قوله: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) وقوله: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فجعل في المنهيات صغائر وكبائر , وفرق بينهما في الحكم إذ جعل تكفير السيئات في الآية مشروطا باجتناب الكبائر , واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش , فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن؟ قلت: ويؤيده ما سيأتي عن ابن عباس في تفسير اللمم , لكن النقل المذكور عنه أخرجه إسماعيل القاضي والطبري بسند صحيح على شرط الشيخين إلى ابن عباس فالأولى أن يكون المراد بقوله: " نهى الله عنه " محمولا على نهي خاص وهو الذي قرن به وعيد كما قيد في الرواية الأخرى عن ابن عباس فيحمل مطلقه على مقيده جمعا بين كلاميه. وقال الطيبي: الصغيرة والكبيرة أمران نسبيان , فلا بد من أمر يضافان إليه وهو أحد ثلاثة أشياء: الطاعة أو المعصية أو الثواب. فأما الطاعة فكل ما تكفره
¥