تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما قرره أهل العلم أن المنامات والرؤى لا تثبت بها أحكام هو الحق الذي لا ريب فيه؛ فإن عمر رضي الله عنه يقول: «ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا بهن عهدًا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا» متفق عليه، فيقول الشيخ عبدالله الفقيه عَقِبه: (من فقه عمر رضي الله عنه أنه لم يتمنَّ رؤيا منام يتلقى فيها هذه الأحكام، كما يدعيه بعض المتصوفة من أخذهم الأذكار والأوراد وعهود الطريق عن طريق المنام واليقظة، أما اليقظة فقد مضى ما فيها [أي مضى بطلانها]، وأما المنام فلا يؤخذ منه حكم شرعي على ما قرره أهل العلم) ..

ويقول الشيخ أيضًا: (حكى الإمام النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض في الاحتجاج بما يراه النائم في منامه قوله: أنه لا يبطل بسببه -أي المنام- سنة ثبتت، ولا يثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء، وقال النووي: وكذا قال غيره من أصحابنا وغيرهم، فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع) ..

ويقول حفظه الله: (وقال النووي أيضاً في المجموع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ولم يرَ الناس الهلال، فرأى إنسانٌ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره) ..

ويقول حفظه الله: (وقد ذكر الزرقاني في شرح الموطأ: أن رجلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له: اذهب إلى موضع كذا فاحفره فإن فيه ركازا فخذه لك ولا خمس عليك فيه، فلما أصبح ذهب إلى ذلك الموضع فحفره فوجد الركاز فيه! فاستفتى علماء عصره فأفتوه بأنه لا خمس عليه لصحة الرؤيا، وأفتى العز بن عبد السلام بأن عليه الخمس، وقال: أكثر ما ينزل منامه منزلة حديث روي بإسناد صحيح، وقد عارضه ما هو أصح منه وهو حديث في الركاز الخمس) ..

ويقول: (ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صورته المعروف بها، وزعم أنه أعطاه وِرْدًا أو أمره بأمر أو نهاه عنه، فينظر فيه: فإن كان مما ثبت بالشرع وجاء به الكتاب أو السنة فالالتزام به التزام بالشرع وبما جاء به، والرؤيا تأنيس للرائي وبشارة له وحث له على ذلك الخير المشروع، وإن كان مما لم يثبت بالشرع فلا يكون حجة ولا يثبت به حكم شرعي ولا شعيرة تعبدية؛ فإن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قد كمل، والدين قد تم، ولم يرد فيه دليل على أن من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام بعد موته وأمره بأمر أو نهاه عن أمر يكون ذلك دليلا وحجة، بل قبضه الله إليه بعد أن أكمل لهذه الأمة ما شرع، وبعد أن أمرهم بالتمسك به، وعدم الأخذ بغيره، ونهاهم عن الإحداث والابتداع فيه) ..

إذًا فخلاصة ما سبق، من زعم أنه رأى النبي عليه السلام فأخبره بصحة حديثٍ أو بصحة الإنجيل (!) فلا اعتداد بمنامه، وفي الحالة الأولى ينظر في إسناد الحديث ويحكم عليه بما يناسبه، وفي الحالة الثانية فيجب عليه سماع الآيات الدالة على تحريف الإنجيل، ربما كان إنجيل برنابا أصح من غيره وأقل تحريفًا لكن أن يقال كله صحيح؟!

وخلاصة الأدلة على عدم الاعتداد بالرؤى والمنامات أن الرؤى أقسام: رؤيا صالحة من الله وحلم من الشيطان وحديث نفس، وقد بيّن النبي أن الرؤيا الصالحة ما هي إلا مبشرات، وذلك فيما رواه البخاري وغيره: ”لم يبق من النبوة إلا المبشرات“ قالوا: وما المبشرات؟ قال: ”الرؤيا الصالحة“، وكذلك روى ابن ماجة والدارمي: ” ذهبت النبوة، وبقيت المبشرات“، فإذا كانت مبشرات بنص الحديث فلا يثبت بها حكم شرعي، وهذا إجماع العلماء كما تقدم، ويؤيده قول الفاروق الذي حار في أبواب من الربا، أفلا كان مزيلاً لحيرته أن يرى النبي عليه الصلاة والسلام مرشدًا له؟ بل إن قول عمر رضي الله عنه نص في مسألتنا! تأملوا: «ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا بهن عهدًا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا»، فمعناه الواضح للأعمى أن النبي صلى الله عليه وسلم فارَقَنا مفارقةً انتهى بها عهده إلينا بأحكام الشرع ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير