وَكَرِهَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ لُبْسَ الْعَمَائِمِ الْمُتَقَطِّعَةِ , وَهِيَ الَّتِي لَا يَكُونُ لَهَا مَا يُمْسِكُهَا تَحْتَ الذَّقَنِ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ لِقَوْمٍ لَا يُدِيرُونَ عَمَائِمَهُمْ تَحْتَ أَذْقَانِهِمْ , وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا الْفَاسِقِيَّةَ.
وَلَكِنْ رَخَّصَ فِيهَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُ.
وَرَوَى أَنَّ أَبْنَاءَ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا يَعْتَمُّونَ كَذَلِكَ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا حَالُ أَهْلِ الْجِهَادِ الْمُسْتَعِدِّينَ لَهُ , وَهَذَا حَالُ مَنْ لَبِسَ مِنْ أَهْلِهِ.
قَالَ: وَإِمْسَاكُهَا بِالسُّيُورِ وَنَحْوِهَا كَالْمُحَنَّكَةِ انْتَهَى.
وَمُقْتَضَى ذِكْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالْعَالِمِ , فَإِنْ فَعَلَهَا غَيْرُهُ فَيَتَوَجَّهُ دُخُولُهَا فِي لِبَاسِ الشُّهْرَةِ , وَلَا اعْتِبَارَ بِعُرْفٍ حَادِثٍ , بَلْ بِعُرْفٍ قَدِيمٍ.
وَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ. انْتَهَى.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَدْرَكْت فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعِينَ مُحَنَّكًا وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَكَانَ بِهِ أَمِينًا.
وَفِي لَفْظٍ لَوْ اُسْتُسْقِيَ بِهِمْ الْقَطْرُ لَسُقُوا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْمَدْخَلِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ [ص: 251] أَئِمَّةِ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى الِاقْتِعَاطِ يَعْنِي الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ , وَأَنَّهُ مِنْ لُبْسَةِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ: إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ لِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ.
اقْتِعَاطُ الْعَمَائِمِ هُوَ التَّعْمِيمُ دُونَ حَنَكٍ , وَهُوَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ , وَقَدْ شَاعَتْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ.
وَنَظَرَ مُجَاهِدٌ يَوْمًا إلَى رَجُلٍ اعْتَمَّ وَلَمْ يَحْتَنِكْ فَقَالَ: اقْتِعَاطَ كَاقْتِعَاطَ الشَّيْطَانِ , تِلْكَ عِمَّةُ الشَّيْطَانِ وَعَمَائِمُ قَوْمِ لُوطٍ.
وَفِي الْمُخْتَصَرِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْعِمَامَةِ يَعْتَمُّهَا الرَّجُلُ , وَلَا يَجْعَلُهَا تَحْتَ حَلْقِهِ , فَأَنْكَرَهَا , وَقَالَ: إنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْقِبْطِ.
قِيلَ لَهُ: فَإِنْ صَلَّى بِهَا كَذَلِكَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ وَلَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: كَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اعْتَمَّ جَعَلَ مِنْهَا تَحْتَ ذَقَنِهِ وَأَسْدَلَ طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
مَطْلَبٌ: صِفَةُ الْعِمَامَةِ الْمَسْنُونَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ: وَسُنَّةُ الْعِمَامَةِ بَعْدَ فِعْلِهَا أَنْ يُرْخِيَ طَرَفَهَا وَيَتَحَنَّكَ بِهِ , فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ طَرَفٍ وَلَا تَحْنِيكٍ فَذَلِكَ يُكْرَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ , وَالْأَوْلَى أَنْ يُدْخِلَهَا تَحْتَ حَنَكِهِ فَإِنَّهَا تَقِي الْعُنُقَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَهُوَ أَثْبَتُ لَهَا عِنْدَ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ.
قُلْت: وَقَالَ هَذَا عُلَمَاؤُنَا.
وَقَالَ فِي الْهَدْيِ: {كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَلَّى بِالْعِمَامَةِ تَحْتَ الْحَنَكِ} انْتَهَى.
¥