وَقَدْ أَطْنَبَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ لِاسْتِحْبَابِ التَّحَنُّكِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فِعْلِ سُنَنٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تَنَاوُلِهَا بِالْيَمِينِ , وَالتَّسْمِيَةِ وَالذِّكْرِ الْوَارِدِ إنْ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُ جَدِيدًا , وَامْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي صِفَةِ التَّعْمِيمِ مِنْ فِعْلِ التَّحْنِيكِ وَالْعَذْبَةِ وَتَصْغِيرِ الْعِمَامَةِ بِقَدْرِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوِهِمَا يُخْرِجُونَ مِنْهَا التَّحْنِيكَ وَالْعَذْبَةَ فَإِنْ زَادَ فِي الْعِمَامَةِ قَلِيلًا لِأَجْلِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيُتَسَامَحُ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّهْيُ عَنْ الِاقْتِعَاطِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ.
[ص: 252] وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوْلِهِمْ: مَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ سَبْعُونَ مُحَنَّكًا , ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَذْبَةَ دُونَ تَحْنِيكٍ يَخْرُجُ مِنْهَا عَنْ الْمَكْرُوهِ ; لِأَنَّ وَصْفَهُمْ بِالتَّحْنِيكِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ امْتَازُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ , وَإِلَّا فَمَا كَانَ لِوَصْفِهِمْ بِالتَّحْنِيكِ فَائِدَةٌ ; إذْ الْكُلُّ مُجْتَمِعُونَ فِيهِ.
وَقَدْ نَصَّ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ عَنْ بَعْضِ سَادَاتِهِ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ فِي الْعِمَامَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِهِمَا فَإِنْ كَانَا مَعًا فَهُوَ الْكَمَالُ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ , وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْمَكْرُوهِ.
قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْعِمَامَةِ مُحَنَّكَةً أَوْ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ , وَاجْتِمَاعُ الشَّيْئَيْنِ أَكْمَلُ كَمَا قَدَّمْنَا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَكَانِ إرْسَالِ الْعَذْبَةِ.
الثَّامِنُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَكَانِ إرْسَالِ الْعَذْبَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: إرْسَالُهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [ص: 253]
وَفِي الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اعْتَمَّ أَرْخَى عِمَامَتَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}. وَكَذَا رَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَ كَذَلِكَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
وَكَذَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ {: عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَدَلَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي}.
وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّهُ لَمَّا عَمَّمَهُ أَرْسَلَ الْعَذْبَةَ مِنْ خَلْفِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَرْخَيَا الْعَذْبَةَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِمَا وَمِنْ خَلْفِهِمَا.
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِمَّنْ أَدْرَكَهُ يُرْخِيهَا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ إلَّا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَمَلَ التَّابِعِينَ عَلَى إرْسَالِ الْعَذْبَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِمْ.
قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ إرْسَالَ الذُّؤَابَةِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ بِدْعَةٌ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ النُّصُوصِ وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ فِي جَعْلِهَا مِنْ قُدَّامٍ لِكَوْنِهِ مِنْ سُنَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِمْ.
¥