فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له: فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان؛ فيلقيه العجز إلى " لو "؛ ولا فائدة في لو ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان؛ فنهاه صلى الله عليه و سلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي: النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قُدر له لم يفُت ولم يغلبه عليه أحد، فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور، وإذا انتفت امتنع وجوده؛ فلهذا قال: فإن غلبك أمر فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبه، وحالة فواته؛ فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا، بل هو أشد شيء إليه ضرورة، وهو يتضمن إثبات القدر، والكسب والاختيار، والقيام والعبودية ظاهرا وباطنا، في حالتي حصول المطلوب وعدمه، وبالله التوفيق. " انتهى كلامه رحمه الله. من شفاء العليل (18 - 19).
ومن هنا ـ أيضا ـ كانت حاجة العبد للاستخارة، والتي يعترف بها بحقيقة الأمر فيما يتعلق به، وبربه تعالى، وفي أول دعاء الاستخارة يقول العبد " اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ "، وقد فصلنا القول فيها في جوابي السؤاليْن: (11981) و (2217).
ثانياً:
مما نراه يزيد من ثقة المسلم بنفسه:
1. ثقته بربه تعالى، وحسن التوكل عليه، وطلب النصرة والتأييد منه، فالمسلم لا غنى له عن ربِّه تعالى، وكما ذكرنا فإن الثقة بالنفس أمر مكتسب، ويحتاج المسلم من ربه تعالى التسديد، والتوفيق، وكلما كانت ثقته بره أكثر كانت ثقته بنفسه في أعلى درجاتها.
ولما فرَّ موسى وقومه من فرعون وجنوده وتراءى الجمعان رأينا عظيم ثقة موسى بربه تعالى، قال تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) الشعراء/ 61، 62.
2. البحث عن جوانب القوة في النفس، فيزيدها، وجوانب الإتقان فينميها، وجوانب الضعف والنقص فيعالجها.
وحتى تتعزز الثقة بالنفس لا بدَّ من النظر بعين الثقة لما وهبك الله تعالى إياه من صفات وأفعال متقنة، حتى يكون ذلك دافعاً لك لتعزيز ثقتك بنفسك، وأما جوانب الضعف فإن عليك إصلاح حالها، وجعلها في مصاف الطبقة الأولى من حيث قوتها وإتقانها.
3. ومن المهم جدّاً للمسلم الذي يبحث عن وسائل تقوية الثقة بنفسه: أن لا يردد كلمات الإحباط، مثل أنه ليس عنده ثقة بنفسه، أو أنه لا يكاد يوفَّق في عمل.
4. وعلى المسلم وضع أهداف محددة في حياته، ومراجعة نتائجها أولاً بأول؛ لأن الواثق بنفسه يرى أهدافه محققة، فقد أحسن التخطيط، ووهبه ربه حسن النتائج.
5. وليحرص المسلم على الصحبة الصالحة؛ لأنها تقوي مظاهر النجاح عنده وتَفرح له، وتشجعه على بذل المزيد من العمل، والصحبة الصالحة لا تتغاضى عن جوانب الضعف عند صاحبها، بل تدله على سلوك الطريق الأفضل، فصارت الصحبة الصالحة من عوامل نجاح ثقة المسلم بنفسه.
6. عدم الانشغال بالتجارب القاسية السابقة، ومحطات الفشل الماضية؛ لأن من شأن ذلك أن يحبط على المسلم العمل، ويزدري بذلك جوانب النجاح عنده، وهذا ما لا يريد المسلم لنفسه.
ثالثاً:
ضبط المسلم لتصرفاته وأفعاله أمرٌ بإمكانه فعله، وفي وسعه تقويمه، ومن ذلك: خلق الغضب، فليثق المسلم بنفسه أنه قادر بتوفيق ربه أن يتخلص من شرِّ الغضب وسوئه، وأن يعمل على إصلاح نفسه وتهذيبها، وتربيتها على الالتزام بشرع الله تعالى، وهذا أمر في غاية اليسر والسهولة على من أراد تحقيقه في أرض واقعه، بشرط أن يكون عنده من الهمة الشيء الكثير ليتم له ما أراد من تهذيب نفسه، وتزكيتها.
وفي جوابي السؤالين: (45647) و (658) ذكرنا الطرق الشرعية لعلاج الغضب، فلينظرا؛ فهما مهمان.
وليس على الراغب بالتخلص من الغضب إلا أن يبادر للعمل، فهو ما ينقصنا بحق، وأما الكلام فكثير، وأما العمل فقليل، فليبادر المسلم الراغب بتزكية نفسه، وتهذيبها إلى العمل، وإلى تنفيذ ما أمره به ربه، والانتهاء عما نهاه عنه، فبذلك يكون من المفلحين إن شاء الله.
ولا تك ممَّن يُغلقُ الباب دونه عليه بمغلاق من العجز مقفلِ
وَما المَرءُ إِلّا حَيثُ يَجعَلُ نَفسَهُ فَفي صالِح الأَعمالِ نَفسكَ فَاِجعَلِ
وفي جواب السؤال رقم: (22090) ذكرنا كيف يربي المسلم نفسه، فلينظر.
والله أعلم
موقع الإسلام سؤال وجواب
http://www.islam-qa.com/ar/ref/115129/
¥