ورواه النسائي (10405) من حديث أنس، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي ": أنه يقال في الصباح والمساء.
سئل الشيخ العثيمين – رحمه الله -:
ما حكم قول " فلان واثق من نفسه "، أو " فلان عنده ثقة بنفسه "؟ وهل هذا يعارض الدعاء الوارد (ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)؟.
فأجاب:
لا حرج في هذا؛ لأن مراد القائل " فلان واثق من نفسه ": التأكيد، يعني: أنه متأكد من هذا الشيء، وجازم به، ولا ريب أن الإنسان يكون نسبة الأشياء إليه أحياناً على سبيل اليقين، وأحياناً على سبيل الظن الغالب، وأحيانا على وجه الشك والتردد، وأحياناً على وجه المرجوح، إذا قال " أنا واثق من كذا "، أو " أنا واثق من نفسي "، أو " فلان واثق من نفسه "، أو " واثق مما يقول " المراد به أنه متيقن من هذا ولا حرج فيه، ولا يعارض هذا الدعاء المشهور (ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)؛ لأن الإنسان يثق من نفسه بالله، وبما أعطاه الله عز وجل من علم، أو قدرة، أو ما أشبه ذلك.
" فتاوى إسلامية " (4/ 480).
وهذا يؤكد عظيم حاجة العبد لربه تعالى، فالعبد جاهل، وربه تعالى العليم، والعبد فقير، وربه تعالى الغني، والعبد ضعيف، وربه تعالى القوي، والعبد عاجز، وربه تعالى القادر.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر/ 15.
فالأمر ـ إذا ـ بين أمرين، فلا هو العجب بالنفس، والغفلة عن الله، ولا هو الضعف والتردد والتواني وخيبة النفس؛ بل هو قوة في العمل، ومضاء في الأمور، مع استعانة بالله عز وجل، وتوكل عليه؛ وإلى هذا المقام الشريف يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ). رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة.
قال ابن القيم رحمه الله:
" فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان:
أحدها: أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالمحبة، وأنه يحب حقيقة.
الثاني: أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها؛ فهو القوي ويحب المؤمن القوي، وهو وتر يحب الوتر، وجميل يحب الجمال، وعليم يحب العلماء، ونظيف يحب النظافة، ومؤمن يحب المؤمنين، ومحسن يحب المحسنين، وصابر يحب الصابرين، وشاكر يحب الشاكرين.
ومنها: أن محبته للمؤمنين تتفاضل فيحب بعضهم أكثر من بعض
ومنها: أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع، فإذا صادف ما ينتفع به الحريص: كان حرصه محمودا، وكماله كله في مجموع هذين الأمرين: أن يكون حريصا، وأن يكون حرصه على ما ينتفع به؛ فإن حرص على مالا ينفعه، أو فعل ما ينفعه بغير حرص: فاته من الكمال بحسب ما فاته من ذلك؛فالخير كله في الحرص على ما ينفع.
ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه: أمره أن يستعين به، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين؛ فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به.
ثم قال: " ولا تعجز"؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله؛ فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أَزِمَّة الأمور بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه.
¥