لكن هذه الصورة التي قد تبدو جميلة سرعان ما تتغير حين يتابع المرء الأحداث التي تمت في عهد هذا السلطان، فقد هاجم وجيشه الشام مرات ودارت بينهم وبين أهل الشام – ومعه سلاطين مصر- معارك كبيرة، وانتصر المغول في أولاها وهزموا فيما تلاها، وقد عاث الجيش التتري فسادا في الأرض وفعلوا – كما قال ابن تيمية لقازان نفسه لما التقى به - ما لم يفعله أسلافه من حكام التتار الوثنيين. وقد بقيت الأمور على هذه الحال إلى ما بعد وفاة غازان سنة 703هـ
وقد كان التتار يقدسون دستورهم الذي وضعه لهم جنكيز خان، وكان يسمى " إلياسا " أو " اليساق " وكانوا يتحاكمون إليه، وبعد إسلامهم لم يتركوا التحاكم إلى هذا الدستور.
4 - بعد وفاة قازان تولى من بعده أخوه " أولجاتيو خدابنده "، وصار اسمه محمد بن أرغون، وقد تولى عرش المغول سنة 703 هـ إلى سنة 716 هـ، وقد بدأ عهده بتحسين العلاقة مع سلطان المماليك، فأرسل إليه هدية وكتابا خاطب فيه السلطان بالأخوة " وسأله إخماد الفتن، وطلب الصلح، وقال في آخر كلامه: عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه، فأجيب، وجهزت له الهدية، وأكرم رسوله ".
ولكن لم يكد يمضي سنة من توليه سلطة المغول حتى حدث تحول خطير عند محمد بن أرغون هذا، فقد اعتنق مذهب الشيعة، وعمل على نشره في الجهات الغربية من دولته، حتى إنه غير الخطة، وأسقط اسم الخلفاء سوى علي رضي الله عنه، وأظهر عداءه للمماليك السنيين، وطلب من النصارى أن يساعدوه ضدهم، ثم هاجم الشام سنة 712 هـ
ومما ينبغي ملاحظته أن تشيع هذا السلطان كان بتأثير من أحد كبار الرافضة - وهو ابن المطهر الحلي -، الذي صارت له منزلة كبيرة في عهده، وقد أقطعه عدة بلاد، ولعل نفوذ وشهرة هذا الرافضي- وهو صاحب كتاب منهاج الكرامة - دعا ابن تيمية رحمه الله إلى إفراد الرد على كتابه هذا بكتابه العظيم: " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ".
وقد استمر سلطان المغول على تشيعه حتى مات، ثم تولى ابنه أبو سعيد - وهو صغير - الذي لعب كثير ممن حوله به، ثم لما كبر مال إلى العدل وإقامة السنة وإعادة الخطبة بالترضي عن الشيخين ثم عثمان ثم علي وفرح الناس بذلك " انتهى باختصار يسير من "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" (1/ 99 - 102).
ثالثا:
ولعل الأقرب في الجواب عن السؤال أن يقال: لا شك أن تأثير الإسلام في النفوس تأثير بالغ عظيم، حتى في قلوب الغزاة الذين يتربصون بأمة الإسلام الدوائر، فلا يستبعد أن تتأثر فئات من المغول - نتيجة اختلاطهم بالمسلمين واطلاعهم على النور الذي أنزل إليهم – بدين الإسلام العظيم، ولكن الإنصاف يقضي أيضا بخطأ اختزال العوامل الكثيرة التي ينتشر الإسلام بسببها في عامل واحد هو " المغول ".
يؤكد ذلك أمران اثنان:
1 - أن دين الإسلام كان قد انتشر في آسيا منذ القرون الهجرية الأولى على يد القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي سنة (94هـ)، حيث فتح " كاشغر " عاصمة الصين آنذاك، ثم توقفت الفتوحات العسكرية لتبدأ الفتوحات المعرفية بنشر الإسلام في جميع بقاع آسيا عن طريق العلم والدعوة والأخلاق الحميدة.
انظر كتاب "ظاهرة انتشار الإسلام" محمد فتح الله الزيادي (ص/222 - 224)
2 - أن أكثر المغول الذين انتسبوا إلى الإسلام لم يعرفوه حق معرفته، ولم يقفوا عند حدوده وشرعه، ولم يمنعهم الدين الجديد الذي انتسبوا إليه من اقتحام بلاد المسلمين، وتكرار اعتداءاتهم عليها بعد عصر " جنكيز خان " الطاغية، ولم تختلف سيرتهم كثيرا عن سيرة أسلافهم من المجرمين، مما حدا بأهل العلم إلى الفتوى بكفرهم وعدم صحة إسلامهم، وهي فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية المشهورة، حتى إنه كان يقول:
" إذا رأيتموني من ذلك الجانب – يعني الذي فيه المغول – وعلى رأسي مصحف فاقتلوني "، لما كان يجزم به من كفرهم وظلمهم وعدوانهم. انظر "البداية والنهاية" (14/ 24)
فكيف لهؤلاء أن يحملوا دعوة التوحيد والمعرفة والسلام إلى العالم، وكيف للشعوب في بلاد آسيا أن تتبعهم على دينهم بعد أن لقوا منهم العذاب والنكال!!
(يمكن الرجوع إلى المصادر الآتية لاستكمال تفاصيل البحث: " وثائق الحروب الصليبية والغزو المغولي للعالم الإسلامي " محمد ماهر حمادة، " المغول في التاريخ من جنكيز خان إلى هولاكو خان " فؤاد الصياد، " تاريخ المغول " عباس إقبال، وغيرها)
والله أعلم.
http://www.islam-qa.com/index.php?ref=103302&ln=ara (http://www.islam-qa.com/index.php?ref=103302&ln=ara)
للمناقشة
ـ[أبو أحمد الحلبي]ــــــــ[09 - 09 - 07, 03:10 م]ـ
جزاك الله كل خير على التوضيح
وسبحان من تعهد بنصر الدين فإنه سبحانه ينصر دينه من حيث لا نحتسب
اللهم انصر دينك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[09 - 09 - 07, 03:41 م]ـ
جزاك الله خيراً
¥