ولا شك أن الله – عز وجل- قد اختص بعلم الغيب وحده – سبحانه وتعالى-، كما قال جل ذكره: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" [الأنعام: 59]!! وقال –سبحانه-: "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون" [النمل: 65] غير أن الله – عز وجل- يطلع من يشاء من عباده (كملائكته ورسله) على بعض الغيب، لا كله؛ لأنه ليس في قدرة البشر الإحاطة بالغيب كله، كيف ... والله –تعالى- أعظم الغيوب؟! فهل يحيط أحداً به – سبحانه- علماً؟!.
فالنبي – صلى الله عليه وسلم- وإن أطلعه الله –تعالى- على بعض الغيوب، فهو لا يعرف الغيب كله، كما قال –تعالى- مخاطباً نبيه – صلى الله عليه وسلم-: "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم غيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي" [الأنعام: 50]. بل إنه – صلى الله عليه وسلم- لا يعرف كل ما سيحدث له في المستقبل، وإن عرف بعضه بتعليم الله –تعالى له إياه، ولذلك أمره الله –عز وجل- أن يبلغ أمته هذا الأمر، فقال –تعالى-: "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" [الأعراف: 188].
وكل سيرته – صلى الله عليه وسلم- تدل على بشريته في هذا الجانب، وأنه لم يكن يعلم من الغيب إلا ما علمه الله –تعالى- إياه، فكم أوذي – صلى الله عليه وسلم-، وكم وقع له ولأصحابه –رضي الله عنهم- مما لا يحبه، ولو كان يعلم الغيب لدفعه عن نفسه وعن أصحابه –رضي الله عنهم-. ولو أراد أحد أن يجمع شواهد ذلك من سيرته –صلى الله عليه وسلم- لوجد السيرة كلها ناطقة به، قاطعة في الدلالة عليه.
فهل يصح بعد هاتين المحكمات من الآيات البينات والأخبار القطعيات أن يحتج محتج لخلافها بالواهيات أو المشتبهات؟! هذا فعل الذين في قلوبهم زيغ "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب" [آل عمران: 7]. والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، ومن والاه.
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[26 - 10 - 04, 11:02 م]ـ
وردت بعض الأحاديث في كتاب (هرمجدون) التي تتحدث عن موافقة يوم الجمعة للنصف من رمضان، فإنه ستحدث صيحة في رمضان، ومعمعة في شوال، وأشياء كثيرة، فما مدى صحة هذه الأحاديث؟ وما الموقف الصحيح تجاهها؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
لهذا الحديث ألفاظٌ متعدّدة، وروايات عِدّة، وكلّها لا يصحّ منها شيء.
1 - فمنها حديث ابن مسعود – رضي الله عنه-: أخرجه نعيم بن حماد في الفتن (رقم 638)، ومن طريقه الشاشي في مسنده (رقم 837)، وأبو الشيخ في الفتن (كما في اللآلئ المصنوعة للسيوطي 2/ 386).
وفي إسنادهم محمد بن ثابت بن أسلم البناني، وهو مختلفٌ فيه بين الضعف والضعف الشديد، وفي الإسناد إليه أيضًا من لا يُعتمد.
2 - حديث فيروز الديلمي (وفي صحبته خلاف): أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 332)، وأبو عَمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (رقم 518)، والجورقاني في الأباطيل والمناكير (رقم 468، 469)، وابن الجوزي في الموضوعات (رقم 1687).
وبيّن الجورقاني وابن الجوزي شدّة ضعفه، بل حكم عليه ابن الجوزي بالوضع.
3 - حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، وله عنه طُرق:
أ- أخرجه نعيم بن حماد (رقم 628)، ومن طريقه الحاكم في المستدرك (4/ 517 - 518)، والجورقاني في الأباطيل (رقم 470).
وفيه مسلمة بن علي، وبه ضعّفه الحاكم، وأنكره الجورقاني، وكذّبه ابن الجوزي- (3/ 461 - 462)، وتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك بقوله عن مسلمة: "بل هو ساقطٌ متروك".
ب- أخرجه العقيلي في الضعفاء – في ترجمعة عبد الواحد بن قيس- (3/ 807 رقم 1014)، وابن الجوزي في الموضوعات (رقم 1686)؛ من طريق عنبسة بن أبي صغيرة، عن الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة.
¥