- قال: "حدثنا موسى بن هارون"، قلت: هو موسى بن هارون بن عبد الله البغدادي الحمال، قال الحاكم عن الدارقطني: ثقة إمام، وقال الخطيب: كان ثقة عالما حافظا.
- قال: "ثنا إسحاق بن راهويه"، قلت: هو الإمام عالم خراسان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، المعروف بابن راهويه، أخرج له أصحاب الكتب الستة عدا ابن ماجه، وثقه أحمد، والنسائي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وجمع.
- قال: "أنا النضر بن شميل"، قلت: هو النضر بن شميل المازني، أبو الحسن النحوي البصري، أخرجه له أصحاب الكتب الستة، وثقه ابن معين، والنسائي، وأبو حاتم.
وتقدم الكلام عن بقية رجاله.
* (الحكم على الخبر بهذا الإسناد):
هذا خبر ثابت - أي صحيح-، رجاله ثقات، وإسناده متصل، وقد أعل بما سبق، وتقدم الجواب عن ذلك.
إذا تقرر ثبوت الخبر، وتقرر أن القاعدة في الأصول: (أن الحديث الثابت حجة في إثبات الأحكام الشرعية)، فهذا أوان البحث في دلالته، وفقهه.
* البحث في دلالة الخبر وفقهه:
- دل هذا الخبر على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية، ومأخذ الحكم من الخبر من قوله: (لأن يطعن في رأس رجل .... خير له من ... )، وهذا ضرب من الوعيد على الفعل، والقاعدة في الأصول: (أن ترتيب الوعيد على الفعل يدل على التحريم)، قلت: بل هو نص فيه، وليس بظاهر، بمعنى أنه لا يحتمل صرف دلالته إلى الكراهة، وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء في الجملة، بل حكي اتفاقا، وقد وقفت في الأمس القريب على مقالٍ صحفيٍ لأحدهم يقرر إباحة ذلك، وللأسف أن الكاتب أحد منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!، وقد استدل على الإباحة بأربعة أدلة، إليك بيانها، والإجابة عنها:
1 - الأصل في الأشياء الإباحة، وهو ما يسمى عند الأصوليين بالاستصحاب.
ويجاب عنه: أنه قد ورد الناقل وهو حديث معقل بن يسار رضي الله عنه المتقدم، والقاعدة في الأصول: (أن عدم ورود الناقل شرط لحجية الاستصحاب).
2 - حديث أم عطية في البخاري في بيعة النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها، وقالت: أسعدتني فلانة ... إلخ.
قال هداه الله: يدل على مشروعية مصافحة النساء، وزعم أنه الظاهر من اللفظ.
ويجاب عنه: أنه لم يرد في الحديث أنها قبضت يد النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه أنها قبضت يدها، فظاهر الحديث لا يقتضي حصول المصافحة كما زعم، ويؤيد هذا حديث عائشة في الصحيحين بلفظ: (ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبيعهن إلا بقوله: «قد بايعتك على ذلك»)، ويحتمل أن المبايعة كانت بمد اليد من غير مس، والقاعدة في الأصول: (أن الاحتمال المساوي يسقط الاستدلال).
3 - حديث أنس رضي الله عنه: (إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت).
قال في تقرير الاستدلال: أخرجه البخاري تعليقا وإسناده صحيح، وليس بين الأمة والحرة فرق في ذلك، ففيه جواز المصافحة.
يجاب عنه: أن المعلق ما سقط بعض راوته من جهة صاحب الكتاب، وهو نوع من أنواع المنقطع، والقاعدة في الأصول: (أن الحديث المنقطع ليس بحجة في إثبات الأحكام)، وقد جاء مسندا عند ابن ماجه، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف سيء الحفظ، ضعفه أحمد، وابن معين، والنسائي وأبو حاتم، وأبو زرعة، والقاعدة في الأصول: (أن سوء حفظ الراوي سبب في رد خبره)، هذا من جهة الثبوت، أما من جهة الدلالة فليس في الحديث أن هذه الأمة كانت امرأة بالغة، فيحتمل أن تكون صغيرة، فالأمة هي المملوكة خلاف الحرة سواء كانت بالغة أم غير بالغة، والقاعدة في الأصول: (أنه إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال)، فإن قيل: لماذا لا يكون الحديث عاما؟ الجواب: أن هذا الحديث حكاية فعل والقاعدة في الأصول: (أن الفعل لا عموم له).
4 - حديث فاطمة بنت عتبة الذي أخرجه الحاكم في المستدرك، وفيه: أن هند بنت عتبة لم تبايع على عدم السرقة فكفت يدها، و كف النبي صلى الله عليه وسلم يده .... إلخ.
¥