تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخير من ذلك القيل قول الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (7) [إبراهيم: 7]، فبشكر النعم تدوم على أصحابها في الدنيا ويبقى شكرها ذخراً لهم في الآخرة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها، إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة" أخرجه الطبراني عن أبي أمامة وابن السني عن أنس·

وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة فقال: الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ" رواه ابن ماجة وغيره عن أنس رضي الله تعالى عنه·

فلك الحمد والشكر يا ربنا على تيسير ما كان عسيراً لا نحصي ثناء عليك·

اللهم أصلح لنا أحوالنا وبار لنا في أعمارنا·

الوقفة الرابعة:

أن يقال: إن تلك النعم من ملابس الشتاء ووسائل التدفئة وغيرها، تُنسي كثيراً من الناس إخواناً لهم من المسلمين قد حرموا كثيراً من أساسيات الحياة فضلاً عن كمالياتها·

فلا بد أن يتذكر كل منا أولئك المسلمين الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وقد عصفت بهم الحروب والفتن من كل حدب وصوب، فهم مسلمون لهم حق الأخوة الإيمانية· وأىضاً فعلى المسلم أن يتفقد من حوله من المسلمين ويستقرئ أخبارهم، فلعله أن يكون سبباً لتفريج كربة من كرب الدنيا عن بيت من بيوت المسلمين، منعتهم العفة والحياء من مدّ يد السؤال إلى الناس، فهناك مسلمون لا يحلم أحدهم بالحصول على ملابس قد تكون عندنا مما يَفْضُلُ من الملابس، فكم يملك أحدنا من الثياب على اختلاف أنواعها وألوانها؟ وكم تملك نساؤنا من عشرات الثياب والأحذية، وكم نُلبس أطفالنا في العام الواحد من أصناف الملابس والأحذية·

فالله الله في تذكر حال المعدمين من تلك النعم، والمبادرة في مد يد العون إليهم·

{وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (272) [البقرة: 272] ·

وقال الله تعالى أيضاً: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (20) [المزمل: 20] ·

الوقفة الخامسة:

جاء الشتاء وقد رتّب بعض الناس أوقاتهم فجعلوا ساعات ليلة الطويلة مطيةّ للسهر والسمر فيما لا يرضي الله تعالى، وإن أحسنّا الظن بهم، فقد أهدروها فيما لا يضر ولا ينفع·

عوداً على ما سبق يقال: إن ضريبة السهر الطويل تأخير صلاة الفجر أو إضاعتها، فضلاً عن إضاعة أمر الأسرة وعدم وجود عائلها بقربها طيلة أو غالب ليالي الشتاء، وهذا أمر مشاهد ومسموع ومشتكى منه، وإذا كان ذلك كذلك فلنعلم أن أهل العلم تكلموا عن حكم السهر وأقسامه· نقل الإمام المروزي في كتابه (قيام الليل) عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: " إذا صلى الناس العشاء كانوا على ثلاثة منازل، منهم من له ولا عليه، ومنهم من عليه ولا له، ومنهم من لا عليه ولا له· فقال له طارق بن شهاب: من عليه ولا له؟ فقال سلمان: رجل صلى العشاء فاغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فركب رأسه في المعاصي· ثم قال رضي الله عنه مبيناً بقية المنازل: ورجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فقام يصلي فذاك له ولا عليه، ورجل نام فذاك لا عليه ولا له" انتهى كلامه رضي الله عنه·

ومما ينبغي التنبيه عليه في مسألة السهر أيضاً:

أن السهر إذا ترتب عليه ضياع واجب، فإن صاحبه آثم حتى لو كان سهره على خير·

أخرج مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح فغدا عمر بن الخطاب إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي فمر على الشفاء أمِّ سليمان فقال لها:

لم أر سليمان في الصبح!

فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه·

فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحبُّ إليّ من أن أقوم ليلة·

فانظروا كيف عاب عمرُ سهر سليمان بن أبي حثمة مع أن سهره كان في تهجد ودعاء، وذلك لأنه قد ترتب عليه تضييع ما هو أهمُ منه·

قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى:

"كره مالك إحياء الليل كله وقال: لعله يصبح مغلوباً، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة· ثم قال: لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح"اهـ·

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير