تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعني لا بأس بقيام الليل ما لم يؤثر على صلاة الفجر، أما إذا ترتب عليه الإخلال بصلاة الفجر فإن ذلك مما به بأس·

وبكل حال فإن السهر على أمر خير لا يترتب عليه إضاعة واجب هو الذي سمّاه بعض أهل العلم السهر الشرعي، وما سوى ذلك فسهر غير مشروع، والله تعالى أعلم·

الوقفة السادسة:

تتعلق بنهار الشتاء، فنهاره قصير بارد لا يحس الإنسان فيه بتعب ولا عطش في الغالب، وحري بنا أن نستغل بعض أيامه بالصوم ليسر عمله وكثرة أجره، وقد ورد في حديث: "الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء" وهذا الحديث حسّنه بعضهم وضعّفه آخرون، وبكل حال إن ضَعُف إسنادُه فمعناه صحيح، فصيام نهاره غنيمة باردة يحوزها الإنسان دون عناء أو تعب أو مشقة وأجرها كثير وعظيم·

قال صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله بعَّدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" رواه أحمد والشيخان عن أبي سعيد·

وقال صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض" أخرجه الترمذي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه·

والأحاديث في فضل الصيام كثيرة جداً·

فليحرص المسلم على كثرة التزود من هذه العبادة ما دام في حال صحته وعافيته، فالأجر كثير والعمر قصير، وقد يتثاقل بعض الناس أمر الصوم في غير رمضان ويزيد الشيطان ذلك بأن صيام التطوع يؤجر فاعله ولا يعاقب تاركه، فلا داعي أن تتعب نفسك بصيام غير مفترض عليك، نعم قد يثقل الشيطان ذلك على العبد، لكن يقال: إذا جاهد الإنسان نفسه بصدق وحملها على فعل الخيرات حبب الله إليه الإيمان وزينه في قلبه، وكرّه إليه الفسوق والعصيان وجعله من الراشدين، ويزيد هذا الخير خيراً أن في النوافل فوائد عظيمة أخرى فهي سبب من أسباب محبة الله تعالى كما ورد في صحيح البخاري في الخبر القدسي: " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه···" الحديث، ومن فضل النوافل أيضاً أنها ترقع ما نقص من الفرائض، فقد ورد في الحديث أن العبد يحاسب على الصلاة، فإذا كملت قيل: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ وذلك في الصيام أو كما ورد في الحديث·

فنسألك اللهم أن تحبب إلينا الإيمان وتزينه في قلوبنا وتكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأن تجعلنا من الراشدين·

جاء الشتاء فجاء معه الاحتساب وجاء معه تحمُّلُ المكاره وما يتعب النفس من الجهد البدني، فإسباغ الوضوء في ليلة باردة على المكاره من أسباب رفع الدرجات ووضع الخطيئات، كما جاءت بذلك النصوص، ومفارقة لذة النوم وجهاد النفس على صلاة الفجر خاصة من أسباب ورود الأجر والثواب على العبد، ففي حديث اختصام الملأ الأعلى قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المسجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء على الكريهات· رواه أحمد والترمذي وغيرهما·

قال صلى الله عليه وسلم: "بشّر المشّائين في الظُلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه أبو داود والترمذي عن بريدة وابن ماجة عن أنس·

فهنيئاً لك يا من جاهدت نفسك واستعنت بالله وخرجت متوضئاً متحملاً شدةَ البرد ابتغاءَ مرضاةِ ربِّك·

جاء الشتاء مطالباً إيانا أن نتذكر أقواماً مرّت عليهم أشتيةٌ كثيرة ذاقوا فيها الأمرين من شدة البرد وقلة ذات اليد·

أما نحن - ولله الحمد والمنة - فيدخل علينا الشتاء ويخرج وقد استعددنا له قبل دخوله بالطعام والشراب واللباس، ووسائل التدفئة التي قد توفرت بأحسن الأشكال وأرخص الأثمان، فلله الحمد من قبل ومن بعد·

جاء الشتاء حتى يعتبر العقلاء ويتذكروا نعمة الله عليهم·

جاءنا الشتاء فلنقف قليلاً ونتساءل: هل نحن أكرم على الله ممن مضى من آباء وأجداد؟ هل نحن أعزّ عند من أولئك القوم الذين لم تمنعهم قلة ذات اليد ولا شدة البرد من مجاهدة النفس على طاعة الله؟

نعم جاءنا الشتاء ليذكرنا أن هذه النعم ليست وقفاً علينا وليخبرنا أننا لسنا أحق بها ممن كان قبلنا، وليحذرنا من أن تكون هذه النعم استدراجاً لبعضنا، فاللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها·

وقبل الختام أسوق لكم بعض الأحاديث التي يستشهد بها بعض الناس عن برد الشتاء مع أنها لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمنها ما يروى: "اتقوا البرد فإنه قتل أخاكم أبا الدرداء" وهذا الحديث يكفي في وضوح بطلانه أن أبا الدرداء رضي الله عنه مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم· ومما يروى أيضاً: "اتقوا البرد فإنه سريع دخوله بطيء خروجه" وهذا ورد عن قول عمر في وصيته للمسلمين من برد الشتاء وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم·

ومن ذلك أيضاً ما يروى: "أن الملائكة تفرح بذهاب الشتاء لما يكون على الفقراء من الشدة والبلاء" قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: لا يصح أسناده·

ومن ذلك ما يروى أيضاً: خير صيفكم أشده حراً وخير شتائكم أشده برداً، وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم"

قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: إسناده باطل·

ومن باب الفائدة يقال أيضاً: إن للمطر سنناً قولية وفعلية، فمن سننه القولية ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأقوال المأثورة عند نزول الغيث، فمن ذلك:

"اللّهمّ صيباً نافعاً، اللّهمّ صيباً هنيئاً، مطرنا بفضل الله ورحمته"

ومن السنن الفعلية ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف عن بعض بدنه حتى يصيبه المطر وقال: "إنه حديث عهد بربه" وروى أبو الشيخ أن النبي (وأصحابه كانوا يكشفون عن رؤوسهم حتى يصيبها المطر·

وورد أيضاً أن الدعاء مجاب عند نزول الغيث، اللّهمّ أنزل علينا·

اللّهمّ وفقنا لصالح الأعمال والأقوال، اللّهمّ وفق ولاة أمرنا إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللّهمّ ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة·

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير