تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكلام الأئمة في هذا الباب كثير، فليراجع ما كتبه علماء السُّنة في هذا الباب، مثل كتاب "السنة"، لعبدالله بن الإمام أحمد، و"التوحيد"، للإمام الجليل محمد بن خزيمة، وكتاب "السنة" لأبي القاسم اللالكائي الطبري، وكتاب "السنة" لأبي بكر بن أبي عاصم، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة، وهو جواب عظيم كثير الفائدة، قد أوضح فيه - رحمه الله - عقيدةَ أهل السنة، ونقل فيه الكثير من كلامهم، والأدلة الشرعية والعقلية على صحة ما قاله أهل السنة، وبطلان ما قاله خصومهم، وهكذا رسالته الموسومة بـ"التدمرية"، قد بسط فيها المقام، وبيَّن فيها عقيدة أهل السنة بأدلتها النقلية والعقلية، والرد على المخالفين بما يظهر الحق، ويدفع الباطل، لكل مَن نظر في ذلك من أهل العلم بقصدٍ صالح، ورغبة في معرفة الحق، وكل من خالف أهل السنة فيما اعتقدوا في باب الأسماء والصفات، فإنه وقع - ولا بد - في مخالفة الأدلة النقلية والعقلية، مع التناقض الواضح في كل ما يثبته وينفيه.

أما أهل السنة والجماعة، فأثبتوا لله - سبحانه - ما أثبتَه لنفسه في كتابه الكريم، أو أثبته له رسولُه محمد - صلى الله عليه وسلم - في سنته، إثباتًا بلا تمثيل، ونزَّهوه - سبحانه - عن مشابهة خلقه، تنزيهًا بريئًا من التعطيل؛ ففازوا بالسلامة من التناقض، وعملوا بالأدلة كلها، وهذه سنة الله - سبحانه - فيمن تمسَّك بالحق الذي بعث به رسله، وبذل وسعه في ذلك، وأخلص لله في طلبه: أنْ يوفِّقه للحق، ويظهر حجته، كما قال - تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (12)، وقال - تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (13).

وقد ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره المشهور عند كلامه على قول الله - عز وجل -: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (14)، كلامًا حسنًا في هذا الباب، يَحسُن نقلُه ها هنا؛ لعظم فائدته.

قال - رحمه الله - ما نصه:

"للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدًّا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهبَ السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، والظاهرُ المتبادر إلى أذهان المشبِّهين منفيٌّ عن الله؛ فإن الله لا يشبهه شيءٌ من خلقه، وليس كمثله شيء، وهو السميع البصير؛ بل الأمر كما قال الأئمة، منهم: نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري، قال: مَن شبَّه اللهَ بخلقه، كفر، ومَن جحد ما وصف اللهُ به نفسَه، فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمَن أثبت لله - تعالى - ما وردتْ به الآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله - تعالى - النقائصَ، فقد سلك سبيل الهدى"؛ انتهى كلام ابن كثير - رحمه الله.

وأما الإيمان بالملائكة فيتضمن الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً، فيؤمن المسلم بأنَّ لله ملائكة خَلَقهم لطاعته، ووَصَفَهم بأنهم: {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (15)، وهم أصناف كثيرة؛ منهم الموكَّلون بحمل العرش، ومنهم خزنة الجنة والنار، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد، ونؤمن على سبيل التفصيل بمَن سمَّى اللهُ ورسولُه منهم؛ كجبريل، وميكائيل، ومالك خازن النار، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور.

وقد جاء ذِكرهم في أحاديثَ صحيحةٍ، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خُلِقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وُصِف لكم))؛ خرجه مسلم في "صحيحه".

المبحث الثاني: عناية الشيخ ابن باز بتعلُّم الحديث النبوي وعلومه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير