تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبوجهٍ آخر؛ فإنّ من طرق معرفة مقاصد الشريعة: (اعتبار علل الأمر والنهي ولماذا أمر بهذا الفعل ولماذا نهي عن هذا الآخر ... وتعرف العلة هنا بمسالكها المعلومة في أصول الفقه فإذا تعينت علم أن مقصود الشارع ما اقتضته تلك العلل من الفعل أو عدمه ومن التسبب أو عدمه ... ) قاله الشاطبي ([109] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn109)).

وبالرجوع إلى مسالك العلّة التي أحال عليها الشاطبي، نجد أنّ علماء أصول الفقه يذكرون أنّ من مسالك العلّة: اقتران الحكم بلفظة (فإنّ) وهي عند الآمدي وابن الحاجب وغيرهما من قسم (الصريح) ([110] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn110))، وبالنظر من خلال هذا المسلك في قول النبي r: « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنّه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء» ([111] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn111))؛ يتبيّن لنا أنّ تحقيق (كمال غض البصر)، و (تمام إحصان الفرج) من مقاصد الشريعة، ومن خلال ما يسمّيه علماء الأصول (تحقيق المناط) ([112] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn112)) نجد أنّ الفصل بين الجنسين، وعدم الاختلاط هو الذي يحقق هذان المقصدان على وجه التمام والكمال؛ فإنّه لا يختلف اثنان أنّ مخالطة النساء ليست (أغض للبصر)، وأنّ ترك مخالطتهنّ (أغض للبصر)، والنتيجة: أنّ ترك الاختلاط يحقق هذا المقصد الشرعي فيكون مأمورا به.

ويؤخذ من هذا الحديث: الأمر بكل ما يكون (أغض للبصر وأحصن للفرج) لأن القاعدة في علم الأصول أنّ (العلة تعمم معلولها) ([113] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn113)) كما سبق.

وذكر ابن عاشور مسلكًا ثالثًا تعرف به مقاصد الشريعة، ألا وهو (استقراء الشريعة في تصرفاتها) ([114] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn114))، وبتطبيق هذا المسلك على مسألتنا يجد الناظر جملة كثيرة من النصوص الشرعيّة تشرع ما فيه "سدّ أبواب افتتان الجنسين ببعضهما"، فحرّمتْ الخلوة، والتبرّجَ، وإظهار الزينة لغير المحارم، وخضوع المرأة بصوتها حتى لا يطمع من في قلبه مرض، و ضرب المرأة برجلها ليعلم ما تخفي من زينتها وغير ذلك، كما أمرتْ المرأة بالقرار في بيتها، وأمرتْ بسؤال نساء النبي r من وراء حجاب تحقيقًا لأطهرية القلوب، وأمرتْ بالحجاب، وفضّلتْ صلاة المرأة في بيتها، وفي الصف الأخير البعيد عن الرجال، وخصص r بابا للنساء في مسجده ... إلى آخر تلك التشريعات الكثيرة التي يُفهمُ منها بجلاء ووضوح أن سد أبواب الفتنة بين الجنسين والمباعدة بينهما أمرٌ مقصودٌ شرعًا؛ مما يعني أنّ إباحة الاختلاط قولٌ لا يتناسب مع تلك المنظومة من التشريعات المتعلقة بالعلاقة بين الجنسين، بل يُعلم قطعا أنه متنافٍ مع مقاصد الشريعة، وأنّ الحكم الصحيح المتناسب مع مقاصد الشريعة هو منع الاختلاط بين الجنسين، والله أعلم.

الباب الرابع: موقف علماء الإسلام من شتى المذاهب الإسلامية.

بعد ما ذُكرَ من الآيات القرآنية، والأحاديث النبويّة، والمقاصد الشرعيّة؛ أذكرُ في هذا الباب أقوال العلماء على اختلاف مذاهبهم وأعصارهم وأمصارهم؛ ليُعلم أنّ القول بمنع الاختلاط ليس مبنيًا على أعراف بعض الأقطار، أو عادات جارية في بعض الأعصار أو فهمٍ شخصيٍّ لبعض النصوص الشرعية، بل هو مذهب علماء الأمة عامّة ([115] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn115)).

المبحث الأول: المذهب الحنفي:

قال شمس الأئمة السرخسي –رحمه الله- (من مدينة سرخس بفارس "إيران اليوم" ت: 483هـ): (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ فِي مَجْلِسِهِ , وَفِي اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى , وَلَكِنْ هَذَا فِي خُصُومَةٍ يَكُونُ بَيْنَ النِّسَاءِ. فَأَمَّا الْخُصُومَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُقَدِّمَهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ) ([116] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn116)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير